قالت أليس: «لسنا خائفين.» بينما غطت أختها وجهها بكلتا يديها. أردفت أليس: «عجوز سخيفة.»
ظلت عينا المرأة العجوز مثبتتان على جونزاليس وهي تمد يدها داخل كيس بلاستيكي مليء بالطمي الطري، واقتطعت منه كتلة أخرى للعمل عليه. كانت تعمل عليه على الدولاب الدوار حين بدأت التوءمان تصدران ضوضاء حادة معبرة عن الاستهجان، وفرتا مبتعدتين.
عاودت المرأة الدندنة مجددا بينما خرج جونزاليس وسار خلف الفتاتين في الممر. •••
إلى جوار الممر كانت ثمة بوابة، تعلوها لافتة مكتوب عليها بحروف وامضة:
مركز هالو لاستزراع الفطر.
محظور قطعا على الأشخاص غير المصرح لهم تجاوز هذه النقطة!
وعلى مسافة نحو مائة قدم من المكان الذي يقف فيه جونزاليس، كان ثمة درج معدني يفضي إلى ممر ضيق يعلو مزرعة الفطر. نظر إلى الخلف نحو الطريق المظلم الذي جاء منه، ثم إلى الأمام حيث كانت أعمدة مائلة من ضوء الشمس تنحدر نحو مزرعة الفطر، وفيما وراءها؛ حيث كان الظلام يكتنف كل شيء. إما أن التوءمين تركتاه، وإما دخلتا في هذا المكان.
خطا جونزاليس إلى البوابة وقال: «مرحبا، إنني أبحث عن فتاتين، توءمين.» «لحظة واحدة من فضلك.» هكذا قالت البوابة. كما توقع جونزاليس؛ فقد كان الذوق يحتم أن ترد آلية تشغيل البوابة على أولئك الذين لا يمتلكون شفرة الدخول.
وقف جونزاليس شاعرا بالارتباك في تلك الإضاءة الخافتة لبعض الوقت، إلى أن جاءت امرأة من الجانب الآخر للبوابة وقالت: «مرحبا.» كانت سمراء ضئيلة الحجم؛ فكانت بشرتها خمرية وعيناها سوداوين تعلوهما طية جبهية رقيقة. كانت ترتدي حذاء عالي الرقبة يصل إلى ركبتيها، وتنورة سوداء طويلة، وسترة واسعة من الحرير الوردي مزينة بفراشات مرسومة بخيوط وردية أكثر دكانة. كانت جذابة للغاية، وعظام وجهها دقيقة، وحركتها رشيقة. قالت: «اسمي تريش. التوءمان موجودتان بالداخل، تنتظرانك.» «اسمي جونزاليس.» «أعرف هذا، تفضل بالدخول.» وبينما كانت تتفوه بالكلمات الأخيرة انفتحت البوابة. انتظرت وشاهدت جونزاليس وهو يعبرها، ثم انغلقت البوابة خلفه.
سألها: «كيف تعرفين اسمي؟» «من الجمعية. أنا صديقة لكثير من أعضائها ... التوءمان بطبيعة الحال وغيرهما ... ليزي.» وقفت في هدوء تشاهده وأردفت: «ماذا تعرف عن زراعة الفطر؟» «لا شيء.» كان يعلم أن الفطر ينمو في جميع أنحاء ولاية واشنطن، وكان الناس يجمعونه بتفان عظيم، وأحيانا كانوا يحققون ما يرون أنه نجاح هائل: فطر الإنائية أو البوليط أو المروث الأهلب أو الغوشنة. في الحقيقة، لم يبد الأمر كله في نظر شخص قادم من جنوب فلوريدا عجيبا وذا صبغة شمالية وحسب، وإنما خطير كذلك؛ فقد كان جونزاليس يعلم أن ما يبدو وجبة لطيفة يمكن أن يكون رسول هلاك. «لا بأس.» هكذا قالت تريش وتوقفت، وتوقف هو إلى جوارها. ثم استدارت إليه، فلمح شفتيها ذواتي اللون الأحمر القاني وأسنانها البيضاء. قالت: «إن هالو تحتاج الفطر كعامل تحلل؛ إذ يتسم الفكر بكفاءة بالغة في تحويل المواد العضوية الحية إلى سليولوز.» أومأ جونزاليس، فأضافت: «في أي بيئة طبيعية - سواء هنا أو على الأرض - تتنافس الأبواغ معا، فيموت الكثير منها، ويجد بعضها مكانا يمكنه فيه الترعرع، بحيث ينمو إلى كتلة أفطورية، وهذه الأخيرة تزهر وتصير فطرا. وبينما ينمو الفطر فإننا نتدخل، كما يفعل كل المزارعين، كي نعزل أنواعا معينة ونوفر ظروفا مواتية لنموها. غير أن «بذورنا»، إن شئت تسميتها، أو الأبواغ، دقيقة الحجم للغاية، وتتطلب عملية العثور عليها وعزلها وحثها على الإزهار دقة عالية وأسلوبا معينا؛ أي إنها تتطلب فنا.»
Halaman tidak diketahui