فكر في جيري، وعرف أن شيئا مذهلا كان يحدث في حقيقة الأمر هنا ... كلا، لم يكن واهما بشأن استمرارية ما يفعلونه؛ فسيموت جيري لا محالة، وسيتفجعون عليه. لكن في الوقت ذاته فإن ما كانوا يفعلونه كان يكسو كل شيء حوله ببهجة رقيقة أو لطيفة ... فلم يكن ذلك شيئا هينا، أن تنتزع بضع لحظات من الموت.
وهكذا استلقى جونزاليس، وعقله يستعرض الحقائق الواضحة لوجوده الجديد بينما أخذت الأفكار والصور المرتبطة بليزي تعاود الظهور، وتكسو كل شيء ببهجة محتملة.
كان يحدق في سماء الليل حين بدأت تهوي فجأة. فاضطرب القمر وسقط بعيدا عن مرمى البصر، متدحرجا ككرة بيضاء تنزلق على تل خفي، وتناثرت النجوم في كل اتجاه. وفي غضون ثوان ساد ظلام دامس. وفي كل مكان حوله لم يعد يوجد إلا الخواء؛ إذ اختفت البحيرة والشرفة والغابة المحيطة، وصار الهواء مليئا بأصوات؛ أزيز وهمهمات غير متناغمة، طنين ورنين، نداءات أشبه بالأصوات لكنها عديمة الكلمات. صرخ لكن خرجت الكلمات منه على شكل أنين وهدير، بحيث زادت من الضوضاء. بدا أنه يهيم دون هدف، يسقط لأسفل ويرتفع، ويتحرك إلى الجانبين، كل هذا وسط النغمات المتنافرة التي تملأ الهواء.
انفتح عالم من الأشكال الملتوية المتكررة أمام عينيه؛ حيث أخذت أشكال شبيهة بخيول البحر تختفي وشقوق سوداء تنفتح. سقط نحو ثقب ذي حواف مسننة بدا على بعد مليون ميل، لكنه اقترب منه بسرعة، وانحرف نحو حوافه الممزقة، وهوى داخله ليكتشف أن ثقبا آخر انفتح داخل الثقب الأول، تبعه آخر وآخر ... وعبر هذه الشقوق في نسيج الواقع أخذ يهوي ويهوي دون نهاية فيما يبدو.
خرج من أحد الممرات ليجد الكون خاليا فيما عدا مكعب أسود، يخترق جوانبه عدد لا نهاية له من الثقوب، ويطفو في هوة ساطعة عديمة اللون. وبينما أخذ يقترب منه صار المكعب أكبر حجما إلى أن أصبح أي إحساس بحجمه الفعلي مرتبكا؛ إذ لم يكن ثمة شيء في مجال جونزاليس البصري ليقيسه استنادا إليه، ولا شيء في ذاكرته ليقارنه به.
هرع نحو مركز أحد جوانب المكعب ومرق منه، نحو عتمة وصمت شبه تام (وإن كان بات يستطيع الآن سماع الرياح وهي تعصف إلى جواره، وبذا عرف أن ثمة شيئا ما يحدث) ...
بعد ذلك رأى وهجا على مسافة، وهجا ساطعا منتشرا أشبه بأضواء مدينة ترى من على مبعدة، وبينما واصل السقوط، صار الوميض أكبر وأشد سطوعا، وانتشر كما لو كان سلة عظيمة من الضوء كي يمسك به ...
وقف على سهل مستو لا نهائي تحت سماء بيضاء. أخذت نقاط بعيدة وصغيرة تكبر في الحجم بينما بدا أنها تسرع نحوه، ثم صارت لها أشكال غير محددة، ثم تجسدت حوله. وقفت ديانا والشكل المجسد لألف وهاي ميكس منتصبي القامة، يواجهون جيري، الذي وقف في مركز هذا المثلث الذي شكله ثلاثتهم. صار جيري مكسوا بعقيدات كثيفة من الضوء بدا أنها تلتهمه، آلاف منها في حركة متواصلة، غطاء فضي من حشرات مضيئة تندفع من الثلاثة الآخرين في تيار دائم مشع. وقفت ليزي، مثل جونزاليس، تشاهد ما يحدث.
خاطبهما الشكل المجسد لألف قائلا: «إن جيري مريض بشدة.» وشعر جونزاليس للحظة بذنب ورهبة لا تفسير لهما، كما لو كان هو الذي سبب كل هذا عبر التفكير فيه.
تساءلت ليزي: «ما الذي بوسعنا فعله؟»
Halaman tidak diketahui