Hakadha Takallama Nasr Abu Zayd

Jamal Omar d. 1450 AH
93

Hakadha Takallama Nasr Abu Zayd

هكذا تكلم نصر أبو زيد (الجزء الأول): من نص المصحف إلى خطابات القرآن

Genre-genre

واستطاع أبو زيد أن يتواصل مع ما أصله الشيخ أمين الخولي، الذي كان أول من نشر لنصر مقالا، وهو بعد في التاسعة عشرة من عمره، ويعمل فني لاسلكي بشرطة نجدة مدينة المحلة الكبرى وتلاميذه، من أنه قبل أن نستخرج من القرآن أحكاما فقهية، وقوانين، وأخلاقا، وفلسفات، لا بد من دراسته دراسة أدبية لغوية بلاغية، مستخدمين فيها كل علوم البلاغة الحديثة، واستطاع في دراساته التالية أن يؤصل للتفسير الأدبي للقرآن، معرفيا بتراث المعتزلة، والفلاسفة المسلمين، حتى التجديد الجزئي عند محمد عبده، والشيخ الخولي وتلميذه محمد أحمد خلف الله، وشكري عياد، وعائشة عبد الرحمن.

ومع عودته من اليابان في بداية التسعينيات، كانت دراسته عن الخطاب الديني المعاصر، وعن فشل مشروع النهضة الفكرية ومعادلته التي تشكلت في القرن التاسع عشر، لكن نصر أبو زيد المتسق مع قناعاته، ومع دور المفكر، المواطن، الذي واجه الاستبداد سواء كان باسم الدين، أو من خلال السلطة القمعية، في ظل حالة الاحتقان في المجتمع فكريا، وحالة المواجهة العسكرية التي وصلت إلى القاهرة، كانت مسألة الترقية، التي استخدمت غطاء للصراع، فمن دافعوا عن أبو زيد لم يقرءوا ما كتب، بل لأن خصومهم يهاجمونه، ومن يهاجمونه؛ لأن خصومهم «الشياطين» يدافعون عنه. وأمسكت السلطة الحاكمة العصا من المنتصف، فهي تضع حراسة أمنية على أبو زيد، وتفتح المساجد لتكفيره من على منابرها التي تديرها وزارة الأوقاف، ومن ناحية أخرى السلطة تتفاوض مع التيار الديني، وأيضا تمول سلسلة كتب المواجهة والتنوير ضد فكر أهل التقليد. فالسلطة كعسكري المرور الذي أضاء إشارات باللون الأخضر في كل الاتجاهات، وأصبح الهدف ممن يعارضونه هو إخراس صوته داخل الجامعة، وهدف من يدافعون عنه إلا من ندر منهم، هو هزيمة خصومهم، حتى ولو بالارتماء في أحضان سلطة الاستبداد في مواجهة الظلامية.

لم يشعر أبو زيد يوما أنه ضحية، أو أن الأمر مسألة شخصية، فوجد أن دوره كمعلم بالجامعة سيتوقف، فلا يستطيع التدريس في حراسة الأمن، وكان خائفا أن يتوقف الباحث داخله أيضا. وأدرك أنه قد انخرط في سجال، وفي مبارزة ستقتل نصر أبو زيد الباحث، فكان الرحيل للمحافظة على هذا الباحث، ولم يبك إلا على تلاميذه وعلى حديقة الزهور التي غرسها، فخرج من البلاد في سن الثانية والخمسين، لم يكن يملك شيئا تقريبا، فقد أنفق عمره موظفا وأستاذا بالجامعة، وجاب الغرب والشرق بحثا عن المعرفة وعن التعلم، علم ومعرفة ليبني مجتمع العدالة الاجتماعية، مجتمع الحرية والكرامة والإنتاج. وشغله سؤال: لماذا حدث ما حدث؟ ولماذا التجديد يصل دائما إلى ثمار ضعيفة، بالية؟ أكد نصر أبو زيد على أن محاولة المفكر التجديدي الدائمة؛ للمواءمة مع الظروف، بالإضافة إلى أن التجديد عندنا قام في نفس الإطار اللاهوتي والعقيدي، الأشعري، والحنبلي الذي ساد؛ لذلك تفشل كل محاولات فتح المعنى داخل الإطار.

وفي مناخ البحث العلمي بجامعة «لايدن» استطاع أن يواصل الباحث أبحاثه، بل يستعيد المعلم دوره أيضا، وانفتح على ثقافات المسلمين، وأصبح له تلاميذ من إندونيسيا وتركيا وماليزيا، وإيران ومن العالم العربي. وأنتج أبو زيد رصيدا من العلم خلال العقد والنصف الأخير. ترجم المسلمون غير العرب الذين يمثلون ثمانين بالمائة من المسلمين دراساته إلى لغاتهم. وقد استطاع أبو زيد أن يكون نظرية في التأويل تبنى على ما توصل إليه أسلافنا من المتكلمين من التفرقة بين المحكم والمتشابه، وجدودنا من الفقهاء في استنباط الأحكام بالتفرقة بين الناسخ والمنسوخ والمكي والمدني ... إلخ، والبلاغيون المسلمون في أن بلاغة القرآن ليست في مفردات ألفاظه بل في طريقة نظمه، وأهمية دراسة قوانين الكلام من خلال دراسة قوانين البلاغة في الشعر، كأساس لا سبيل عنه لدراسة بلاغة القرآن الكريم، وسابقون من المتصوفة، في التفرقة بين الظاهر والباطن، وبين الحقيقة والشريعة، وفلاسفتنا المسلمون في محاولة رفع التناقض الظاهر بين الشرع والبرهان العقلي.

وبنى أبو زيد على جهود التأويل في العالم الإسلامي منذ القرن السابع عشر إلى الواحد والعشرين، من الهند إلى العالم العربي، وإندونيسيا وإيران. وأصل فكريا لمدرسة التفسير الأدبي للقرآن الكريم، التي تعود بذورها الحديثة إلى محمد عبده. •••

حوار مع جريدة الصباح الكويتية الإلكترونية أجراه د. رياض محمد الأخرس، عن كتابي «أنا نصر أبو زيد»: - من هو جمال عمر بداية؟ ما دراسته وتخصصه؟ والأهم: ما سبب اهتمامه بنصر حامد في وقت ابتعد عنه الكثيرون باعتباره مدانا ومبتدعا وطريدا إذا صح التعبير؟ وما هو منهج جمال عمر في تتبع وتدوين سيرة نصر حامد في الكتاب المشهور: «أنا نصر»؟ وما النتائج التي وصل إليها كحقائق

Facts ؟ وكيف سيكون الطريق مستقبلا على نهج نصر؟ - «من أنا؟» سؤال محير، هل أنا هو ما يشهد به آخرون عني من خلال شهادات دراسية، حصلت عليها، أو جوائز أو تكريم؟ لكن في سياق حوار مثل هذا، أتصورك تريد أن يعرف القارئ مقدار تعليمي الرسمي وشهاداتي؛ لكي يقرر لنفسه إذا كان يثق في شخص المتحدث؛ من كونه يحق له الحديث، ونأخذ كلامه على محمل الثقة والجد. وهذا هو الشكل المعاصر للممارسة التراثية، حول صحة سلاسل السند للمرويات؛ فالتراثيون اجتهدوا للثقة في الراوي أولا، من خلال شروط جرح وتعديل، حتى نثق في صحة رواياته، لذلك فثقافتنا تقوم على ثبوت صحة الرواية بالثقة بمن قالها، فالحكم بالصحة يأتي من خارج الرواية، وليس من داخلها. مما يتجسد في أن صحة رأي ما في ثقافتنا المعاصرة تتوقف على من قال به، وما هي سلطته، وما هو منصبه، وليست صحة الرأي بحجته أو بأدلته، وبمدى قدرته على تفسير الظواهر أو باستطاعة الرأي على الإقناع. ورغم ذلك؛ فجمال عمر قد درس في التعليم الحكومي المصري، بمراحله، حتى الدراسة الجامعية بكلية التربية، ليكون معلما. وعمل مدرسا لمدة عام، وكان قد انتسب لكلية الآداب، لدراسة الفلسفة عاما واحدا، ورحل عن مصر عام 97، ويقيم بمنطقة بروكلين بولاية نيويورك خلال العقدين الماضيين. لي عدة أعمال منشورة هي «مهاجر غير شرعي» 2007م، «تغريبة» 2012م، «أنا نصر أبو زيد» 2013م، «مقدمة عن توتر القرآن» 2017م.

كنت مهتما بأزمة الفكر العربي في مرحلة المراهقة والشباب المبكر، في نهايات الثمانينيات، وكنت منخرطا في قراءة المشروعات الحضارية بمجلداتها التي تصدر؛ مجلدات محمد عابد الجابري، التي كنت أعاني في الوصول إليها لارتفاع أثمانها، لكن مكتبة كلية الآداب المجاورة في مبنى منفصل كانت عامرة بالكتب الحديثة التي أريد أن أقرأ فيها، فكنت أذهب لمكتبتها وأجلس بالساعات للقراءة، وكنت كطالب في التربية يضايقني عسكري الأمن في الدخول. فكنت أتحايل بأن أدعي أني أفكر في الانتقال لكلية الآداب من كلية التربية، وأني داخل لشئون الطلاب، فكان العسكري يسمح لي بالدخول. وفي يوم كان الضابط واقفا بجوار العسكري، واستوقفني، وتقريبا تذكر ملامحي من ندوة سابقة كانت ضمن أنشطة الجامعة، ونقدت فيها الضيف وقتها. فما إن حكيت للضابط ادعائي بالنقل لكلية الآداب، حتى أرسل معي العسكري لشئون الطلاب؛ ليتحقق من صدق ادعائي، فعلمت أني داخل في مصيبة، لمجرد إني عايز أستكمل قراءة كتاب «بنية العقل العربي وتكوينه» للجابري. فبينما العسكري كان مشغولا، سرت بهدوء في طريقي للخروج من الباب الآخر للكلية، وبينما أنا على وشك الخروج، إذ بالعسكري في أعقابي، وينادي علي: «إنت يا فندي». فلم ألتفت إليه وخرجت من الباب في الشارع، وإذا به يجري ورائي، وأنا أجري في الشارع بمدينة بنها بين العربات، وكله من أجل قراءة كتابات الجابري. وقرأت كتابات لحسن حنفي وعن جهود أدونيس وطيب تيزيني وحسين مروة وجلال العظم، وقرأت كل ما كتب زكي نجيب محمود.

حتى صدر كتاب «مفهوم النص؛ دراسة في علوم القرآن» لنصر أبو زيد، عام تسعين. وحين اطلعت عليه، وجدت عالما آخر في التعامل مع الظاهرة الدينية، يخرج بها من كونها مجرد دروشة، أو أنها مجرد سلم للوصول للسلطة. وجدت فيه كيف يمكن تناول الظاهرة الدينية تناولا علميا، وكان حواره بجريدة الأهرام 31 مايو سنة واحد وتسعين على أسبوعين، حوارا أدركت منه قيمة هذا الإنسان كإنسان مفكر، وكمفكر إنسان. وفي نفس اليوم عملت ملفا، وكتبت عليه «نصر أبو زيد»، ووضعت فيه ورقتي الجريدة التي بهما الحوار. ومنذ ذلك التاريخ، وأنا أجمع كل ما كتب ونشر نصر أبو زيد، وفي إحدى ندوات معرض كتاب القاهرة التي كان مشاركا بها، صعدت إلى المنصة بعد الندوة وسلمت عليه. ورغم زحمة الناس، فإن نصر يشعرك بحميمية الريفي، وكأنه يعرفك من سنين، فذكرت له أني قرأت كتابه وعندي تساؤلات حوله، فرد بابتسامة عريضة وبلهجة مصرية «تعال لي الجامعة». وبالفعل ذهبت إليه بجامعة القاهرة، وفي المبنى التاريخي القديم، فوجدته في حجرة الأساتذة الضيقة بمكاتبها المتكاتفة يجلس وحوله طلبة الدراسات العليا، فقال لي: «هنا نتناقش في كل هذه الأسئلة.» وشاهدت فعل التفكير النقدي، الطلبة يماحكون أفكاره وينتقدونه، وهو يبتسم ويطرح عليهم مزيدا من الأسئلة، وينقد ما تم طرحه. شعرت بلذة غريبة، من الحياة والحيوية الفكرية، الروح التي كنت أبحث عنها.

وحدثت مشكلة ترقيته وما تبعها من قضية الحسبة، والحكم بالتفريق بينه وبين زوجته، ثم رحيله عن مصر. وبعد رحيله بعام ونصف رحلت أنا أيضا، وانقطعت الصلة المباشرة، لكن استمرت صلة الفكر، حتى التقينا بنيويورك نوفمبر 2007م عن طريق صديقنا المشترك فكري أندراوس، وليلتها قلت له «هديتي لعيد ميلادك السبعين، يا دكتور نصر، سيكون كتابا لي عنك» فابتسم، وقال على طريقة المشايخ بالأزهر «وأنا أجزتك للكتابة عن حياتي.» واقترحت عليه أن يأخذ تسجيل «ديجيتال» وأن يسجل كل محاضرة يلقيها، أو حوار صحفي يتم معه، وأن يرسله لي على النت. وبالفعل في سنواته الثلاث الأخيرة استطعنا تسجيل ما يقرب من مائة وخمسين ساعة بصوته بالعربي وبالإنجليزي، وأرسل لي نسخا من تسجيلات مناقشات رسالته للماجستير ورسالته للدكتوراه. وجمعت كل ما أمكنني الحصول عليه من تسجيلات برامج تليفزيونية تمت معه. وكل الحوارات الصحفية المنشورة معه التي استطعت الحصول عليها. وعملت قائمة مرتبة تاريخيا بكل هذا، تبدأ من أول مقال نشره في مجلة الأدب عام 1962م وهو في سن التاسعة عشرة، ويعمل فني لاسلكي في شرطة النجدة بالمحلة، حتى النصوص التي نشرت بعد رحيله.

Halaman tidak diketahui