Demikianlah Zarathustra Berbicara
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genre-genre
لقد علمتني ذاتي عزة جديدة أعلمها الآن للناس: علمتني ألا أخفي رأسي بعد الآن في رمال الأشياء السماوية، بل أرفعها رأسا عزيزة ترابية تبتدع معنى الأرض.
إنني أعلم الناس إرادة جديدة يتخيرون بها السير على الطريق التي اجتازها الناس عن غباوة من قبلهم، أعلمهم أن يطمئنوا إلى هذه الطريق فلا تنزلق أرجلهم عنها كما انزلقت أرجل الأعلاء المتهكمين، وما هؤلاء إلا من ابتدعوا الأشياء السماوية واخترعوا قطرات الدماء المراقة لافتداء البشر، على أن هذه السموم التي أخذوا بلذتها ورهبتها لم يستخرجوها إلا من الجسد ومن الأرض.
لقد شاءوا الفرار من الشقاء وتراءت لهم الكواكب بعيدة صعبة المنال فوجموا يدفعون بالزفرات قائلين: وا أسفاه! لم لا تنفتح أمامنا سبل في السماء ننسحب عليها إلى وجود آخر وسعادة أخرى.
في ذلك الحين اخترعوا أوهامهم وكئوسهم الصغيرة المترعة بالدماء ... وحسب هؤلاء الناس في عقوقهم أنهم فازوا بالنعيم بعيدا عن جسدهم وعن الأرض، وتناسوا أن تنعمهم ورعشة ملذتهم إنما نشأت من جسدهم ومن هذه الأرض.
1
إن زارا ليشفق على الأعلاء فلا يغضب لما أوجدوه من وسائل السلوان ولا يتمرمر؛ لأنهم عقوا جسدهم وأرضهم، بل هو يرجو لهم الشفاء والتغلب على أنفسهم ليوجدوا لهم أجسادا أرقى من أجسادهم.
إن زارا لا يغضب أيضا على الناقه الذي يحن إلى وهمه فيذهب في منتصف الليل ليطوف بقبر إلهه، ولكنه لا يرى في دموع هذا الناقه إلا أثر المرض والجسم المريض.
لقد وجد في كل زمان كثير من المرضى المستغرقين المتشوهين فهم يكرهون إلى حد الهوس كل من يطلب المعرفة، ويكرهون أبسط الفضائل وهي فضيلة الإخلاص.
أنهم يلتفتون دائما إلى الوراء، إلى الأزمنة المظلمة؛ إذ كان للجنون وللإيمان حلتهما الخاصة، فكان الإله يتجلى في هوس العقل، وكانت كل ريبة خطيئة.
لقد عرفتهم جد المعرفة، أولئك المتجلين على صورة الله ومثاله فتيقنت أن جميع رغباتهم تتجه إلى أن يؤمن الناس بهم وأن يصبح كل شك فيهم خطيئة، وما فات مداركي ذلك الإيمان الذي يدعون رسوخه فيهم، فإنهم لا يؤمنون لا بالعوالم الأخرى ولا بقطرات الدماء تفتدي العالم، بل هم كسائر الناس يعتقدون بالجسد، ويرون أن أجسادهم نفسها هي الكائن الواجب الوجود.
Halaman tidak diketahui