Demikianlah Zarathustra Berbicara
هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد
Genre-genre
عند هذا المشهد لم يقل زارا غير كلمة واحدة: «لقد اقترب أبنائي.» وصمت صمتا عميقا، غير أنه أحس بسقوط حمل ثقيل عن قلبه فانهمرت دموعه غزيرة تبل راحتيه، وذهل عن كل ما حوله لا يبدي حراكا فجاءت طيور الحمام تقع على كتفيه وتداعب شعره الأبيض ولا تني تغدق عليه عطفها وحنانها، وكان الأسد مستمرا في إرسال لسانه على راحتي زارا مجففا ما عليهما من دموعه وهو يزأر متمهلا خاشعا.
وطال هذا الموقف ولعله لم يطل فليس لمثله على الأرض من زمان.
وكان الرجال الراقدون نهضوا من رقادهم في هذه الأثناء وتهيئوا للخروج إلى زارا ليقدموا له تحية الصباح، ولكنهم ما أطلوا من باب الغار حتى وثب الأسد وهجم عليهم، وهو يزمجر فصرخوا جميعا والذعر يملأ روعهم وتراجعوا ثم اختفوا عن العيان.
ونهض زارا عن معقده وقد استولى عليه الذهول فأدار لحاظه في كل جهة وهو يتساءل عما جرى له وعما رأى وسمع، ثم ثاب إليه رشده فانجلت أمامه حوادث يومه فقال وهو يمر أنامله على لحيته: في صبيحة الأمس كنت جالسا على هذا الحجر فتقدم العراف إلي، وسمعت لأول مرة صراخ الاستنجاد فيا أيها الرجال الراقون، إن ما أنبأني العراف به أمس إنما كان فشلكم لا غير وقد أراد أن يقودني نحوكم لتجربتي فقال لي: أي زارا، لقد أتيت لأوقعك في آخر أخطائك.
وقهقه زارا ضاحكا غاضبا من كلمة «آخر أخطائك» وتساءل عما تحتفظ هذه الخطيئة له!
وعاد فاستوى على الحجر الكبير واستغرق في تفكيره، ثم نهض بغتة وهو يهتف: «هي الرحمة! الرحمة للرجال الراقين!»
وظهرت قساوة الفولاذ على سيمائه فقال: «لقد كان للرحمة زمانها.»
أية أهمية لشهواتي ورحمتي، ما أنا طالب سعادة، إن ما أسعى إليه هو المهمة التي وضعتها نصب إرادتي.
والآن وقد جاء الأسد، فقد اقترب زمان أبنائي، أما أنا فقد بلغت النضوج ودنت ساعتي!
هذا هو الشفق يلوح على صبيحتي وقد طلع نهاري، فأشرقي بأنوارك أيتها الظهيرة العظمى.
Halaman tidak diketahui