Demikianlah Zarathustra Berbicara

Filiks Faris d. 1358 AH
178

Demikianlah Zarathustra Berbicara

هكذا تكلم زرادشت: كتاب للكل ولا لأحد

Genre-genre

ههنا، لك أن توجه خطابك إلى كل الأشياء؛ لأن كل كلمة إخلاص تقال لها تتلقاها حمدا لها وثناء عليها.

إن العزلة شيء والوحشة شيء آخر، وهلا ذكرت يا زارا صرخة طيرك فوق رأسك عندما كنت مضعضعا أمام جثة ميت في الغاب ولا تدري إلى أين المصير، فتتمنى أن يأتي نسرك وأفعوانك لهدايتك بعد أن لاقيت بين الناس أخطارا لم تشهد بين الحيوان مثلها، تلك كانت الوحشة بعينها!

أفما تذكر يا زارا زمنا توسطت فيه جزيرتك كأنك ينبوع خمر يتدفق بين الدنان الفارغة، فيملؤها موزعا خمره على العطاش بلا حساب، حتى أمسيت وحدك الظامئ بين المرتوين، فرفعت صوتك بالشكوى تحت جنح الليل متسائلا عما إذا لم يكن في الأخذ سعادة أوفر من سعادة العطاء، وإذا لم يكن من السعادة في السرقة ما ليس في الأخذ، تلك كانت الوحشة بعينها.

أفما تذكر الزمن الذي طردتك فيه من نفسك أعمق الساعات صمتا، وهي تقول لك همسها: تكلم واهدم، فدفعت بك إلى كره صبرك وسكوتك فقضت على ما فيك من شجاعة متواضعة. تلك كانت الوحشة بعينها.

أيتها العزلة لكم في صوتك من نبرات السعادة في عطفه وحنانه ليس بيني وبينك من شكوى ولا عتاب، فكلانا نمر صريحين من الأبواب المشرعة؛ لأن كل شيء لديك مضيء والساعات تمر فيك عجلى خفيفة، وما تتثاقل الساعات في النور تثاقلها في الظلام.

إنني أشعر ههنا بأن لكل شيء روحه ومعناه، فكل كائن يريد أن يعبر عن سريرته وكل ما سيكون يطمح إلى تعلم البيان مني، أما هنالك فكل قول عبث وهراء وخير حكمة للناس هي النسيان والفناء، وهذا ما تعلمته منهم، وإذا ما أراد أحدهم أن يفهم كل شيء وجب عليه أن يستولي على كل شيء، وما تمتد إلى الأخذ يداي الطاهرتان. لقد تولاني الاشمئزاز من رائحة أنفاسهم، فوا أسفاه على زمن طويل قضيته حيث يضجون ويتنفسون.

يا للعزلة السعيدة أتمتع بها، ويا للعرف الزكي يتضوع حولي. إنني أنشق بملء رئتي هذا الهواء النقي في هذا السكون المتنصت، أما هنالك فكل شيء يتكلم ولا سميع فإذا ما أذاع أحد فضائله بقرع الأجراس خنق الدوي في الساحات رنين الفلوس الكبيرة تقلبها أيدي البائعين. هنالك يتكلم الكل وليس من أحد يفهم ما يقال، فكل شيء يقع في المياه الجارية ولا ينسرب شيء إلى أعماق منابعها. هنالك كل شيء يتكلم ولا شيء يبلغ نجاحا أو تكاملا. كل يصيح وليس من يرضى باحتضان البيوض في الأعشاش، كل يتكلم وكل كلام متراخ مديد وما كان يقسو من البيان على أفواه أبناء الأمس أصبح لينا تلوكه الأشداق في هذا الزمان.

هنالك كل يتكلم ولم يبق من مستور لم يهتك؛ فما كان يعد بالأمس سرا كمينا في أعماق النفوس تتناوله اليوم مقارع الطبول وحناجر الصائحين، فيا للطبيعة البشرية، ما أنت إلا ضجة في المسالك المظلمة، لقد تجاوزتك فتركتك ورائي خطرا أنقذت منه، وقد كانت المداراة والرحمة أشد ما تعرضت له من أخطار، وكل كائن في البشر يطلب أن يتعامل بالمداراة والرحمة، وما عشت بين الناس إلا وأنا أحفظ حقائقي في قلبي ويداي وأحشائي ترتعش ارتعاش الجنون لأكاذيب الرحمة والإشفاق.

هكذا عشت بين الناس، جلست بينهم متنكرا أكاد أجحد ذاتي؛ لأحتملهم مقنعا نفسي بقولي إنني مجنون لا أدرك حقيقتهم.

إذا أنت عاشرت الناس فإنك لتنسى ما تعرفه عنهم؛ لأن ما ينطح بصرك من المشاهد الخارجية يصده عن سبر أبعادهم وأعماقهم.

Halaman tidak diketahui