Hakadha Khuliqat
هكذا خلقت: قصة طويلة
Genre-genre
وابتسمت لهذا الخاطر، وجاء ولداي قبل نومهما يقبلانني ويهديانني مساء الخير، فلما قبلتهما وأذنت لهما بالانصراف إلى حجرة نومهما قالت ابنتي: «لم لا تأذنين يا أماه لأبينا أن يزورنا كل أسبوع؟ إنه ظريف ويحبنا، لقد قضينا معه سحابة هذا النهار أسعد ما نكون، ولعل هدية الساعات الثلاث أعجبتك.» فقبلتها من جديد وقلت لها: «اذهبي إلى مخدعك، وسيكون لي في الأمر رأي.»
وشعرت لساعتي بأنا لن نستطيع أن ننفصل حقا وهذان الطفلان بيننا، وإذا أردت أن أنفصل عنه انفصالا حاسما فيجب أن ينسياه، لكنهما لا يزالان في حاجة إليه، على الأقل لنفقتهما، وليس بمعقول أن أكلفه هذه النفقة وأن أحرمه رؤيتهما، ولست أشك في أنه سينفق عليهما كل ما أطلب منه، ولو أرهقه ذلك من أمره عسرا.
وانقضى الأسبوعان وجاء الرجل من القاهرة يرى ولديه، وقد تركت له البيت كما فعلت المرة الأولى، فلما عدت إلى المنزل بعد انصرافه علمت أنه حمل إلى الولدين من الهدايا ما جعلهما يتصايحان ساعة دخولي، يعرضان علي ما جاء به والدهما، ويذكران كيف قضيا معه نهارا سعيدا، وأعطتني المربية خطابا منه فتحته فإذا فيه تحويل على البنك، ورسالة يذكر فيها أنه آثر أن يحول هذا المبلغ الكبير دفعة واحدة حتى لا يبعث إلي بتحويلات شهرية، وأنه يرغب إلى أن أحيطه علما متى نفد هذا المبلغ ليبعث إلي بتحويل جديد.
وأثار تصرفه هذا حيرتي، فأنا أعلم من حاله المالية ما لا أشك معه في أنه يستدين الكثير من هذه المبالغ التي يبعث بها إلينا، سواء تحويله اليوم، أو تحويله حين سفرنا إلى أوروبا، أو تحويله الأول، هذا إلى جانب ما ينفق لحياته الخاصة، أفلا يحملني ذلك على التفكير من جديد في الأمر حتى لا أشق عليه إلى هذا الحد، ولا أحمله ما لا يطيق؟
وجاء صديقنا بعد أسبوع، فذكرت له ما صنع مطلقي، ورجوته أن يبلغه أنني لا أريد إرهاقه، وأني أفضل أن نتفق على مبلغ شهري لنفقة الطفلين؛ لأنني لا أقبل منه شيئا لنفسي، وأنا مصممة على ألا أعود إلى الحياة معه أبدا.
قال صديقنا: «أولا تزالين تظنين أن له بصديقتك علاقة، أو أن له إليها ميلا، أو أن شيئا من ذلك كان؟»
قلت: «كلا، إني مطمئنة الآن كل الاطمئنان من هذه الناحية وإن لم تعد تعنيني، فلو أنه تزوج صديقتي غدا لما اهتز لذلك مني عصب، ولا طرفت لي بسببه عين.»
قال: «أما وقد زال ما كان قائما بنفسك من هذه الناحية، فما هذا التشبث السخيف بألا تعودي أنت ووالد ابنيك سيرتكما الأولى، فتجمعي بذلك أسرة تشتتين أنت اليوم شملها، وتبددين سعادتها وهناءها؟!»
لم أملك نفسي حين سمعت ذلك منه أن ثارت كبريائي، فقد أصاب كلامه عزتي بطعنة أهاجت كرامتي، وبجرح أدمى نفسي فصحت به: «أوتحسبني طفلة غريرة لا تعرف ما تريد؟ وهل تظنني حفلت يوما بصديقتي إلى حد أثار غيرتي منها لعناية هذا الرجل بها؟ لقد كان الأمر بيني وبين زوجي أعمق من هذا، وإذا كنت قد حدثتك عنها وذكرت لك أنني أراها بيني وبينه فلأنني لم أرد ولن أريد أن أكشف عن مستور نفسي وحقيقة سري، فأرجوك يا صديقي وألح عليك ألا تعود إلى الكلام معي فيما ذكرت اليوم، فلا طاقة لي بسماعه من أحد، ولا طاقة لي بسماعه منك أنت خاصة.»
لست أدري كيف أفلتت هذه الجملة الأخيرة من بين شفتي، فلقد خشيت بعد أن تلفظت بها أن يحملها صديقنا معنى بذاته، فعدت إلى هدوئي وقلت له: «إنني لواثقة بأنك أشد الناس حرصا على شعوري، وأكثر معرفة بما تنطوي عليه نفسي إزاء هذا الرجل، فلو أن غيرك قال ما قلت أنت هان علي سماعه، أما وأنت تعرفني حق المعرفة، وتعلم أنني لا أصدر في تصرفاتي عن طيش ولا عن نزق؛ فقد أثارني كلامك وجعلني أظنك تناسيت ما لا يجب أن تنساه.»
Halaman tidak diketahui