فقال: «يدعوه إلى ذلك أمر أفظع من خيانته، ولو أني ذكرته لك ما ترددت في صلبه!»
فقال: «وما ذلك؟»
قال: «إني لأضن بعرض أمير المؤمنين أن يذكر في مثل هذا المقام، فإذا أذن مولاي في خلوة ذكرت له السبب، وأنا ضامن أنه يقتنع ببراءتي.»
فقطب الحجاج حاجبيه وأشار بيده فخرج كل من في الفسطاط من الأمراء والحراس وبينهم حسن، وقد سر لما رآه في وجوه الأمراء من دلائل نقمتهم على عرفجة لفظاظته وسوء سريرته. وإن أظهروا له غير ذلك خوفا من الحجاج. وفاتهم أن الحجاج نفسه لم يكن يثق به.
فلما خلا عرفجة بالحجاج أخذ يقص عليه حديث حسن مع سمية ثم قال: «وقد كنت أعدها لخدمة مولاي بعد أن طلبها منذ أعوام، فجاء هذا الشاب وخدعها بحبه، وهي فتاة لا تدرك أمور الدنيا، فانخدعت بظاهره، وكادت توافقه على أن تفر معه لو لم أطلع على فعلته، فسعيت في قتله بمساعدة طارق بن عمرو عامل المدينة. وهذا طارق بين يدي مولاي ينبئك بصدق قولي. ولكن الرجل الذي أنفذناه لقتله لم يظفر به، فنجا ثم جاء متنكرا إلى معسكر الأمير بعد أن علم بزفافها إليه ليحاول أن يخدعها مرة ثانية، ولكني رأيته ساعة مجيئه مع ليلى بالأمس، وبعثت من يأتون به، فعلمت أنه سار إلى جهة أخبية النساء، وقد شق على أن أصرح بذلك لمولاي الأمير لئلا أكدره، فاكتفيت بأن ذكرت أنه جاسوس، لعلمي بأنه صاحب الكتاب الذي جاءنا به الفتى الثقفي منذ حين وظنناه قتله. ثم علمت بأنه فر إلى الخربة المجاورة فأرسلنا الفرسان للقبض عليه، ويؤيد صدق قولي، أنك لما سألته عن سبب مجيئه إلى هنا لم يستطع جوابا.»
فرأى الحجاج كلام عرفجة معقولا، ولكنه رأى التهمة الموجهة إليه معقولة أيضا فلم ير خيرا من التريث حتى ينجلي له وجه الصواب. فأمر بسجن حسن ، وتظاهر بأنه اقتنع ببراءة عرفجة.
سيق حسن إلى خيمة أفردوها له في طرف المعسكر، ووقف ببابها حارسان مسلحان. فلما تركوه فيها بعد أن شدوا وثاقه أيقن باستحالة النجاة، وجعل يفكر فيما مر به وما كان من أمر عرفجة معه، فرأى أن الحجاج لم يقتنع كل الاقتناع بخيانة عرفجة، وأدرك أن هذا يستعديه عليه من طريق إثارة غيرته، والغيرة تعمي وتصم.
وقضى حسن في ذلك بقية يومه، وجاءوه بالطعام فلم يتناول منه شيئا، ثم قضى ليلته ساهرا وخيال سمية أمام عينيه، وفكره يبحث عبثا عن وسيلة إلى النجاة بنفسه وسمية.
وفيما هو متوسد على حصير من سعف النخل وقد أثقلته الأغلال، سمع وقع أقدام خفيفة في الخيمة، ثم صوتا يهمس في أذنه قائلا: «لا تخف يا مولاي إني خادمك عبد الله.»
وحاول أن ينهض فأعانه على ذلك عبد الله ثم قال له: «لقد احتلت حتى جعلوني أحد الحارسين المنوط بهما تناوب مراقبتك، وأنا الآن في نوبة السهر على حراستك. وقد نام رفيقي فدخلت لأسألك عما تريد.»
Halaman tidak diketahui