وبدأت أنفعل، وكأني أشاهد مباراة للأشبال.
وبدأ قلبي يدق، ويتمنى أن يبقى كل شيء على ما هو عليه، وأن يبقى الشاب مرتبكا مترددا، وأن تبقى الفتاة صامدة كالقلعة الحصينة، حتى ولو لم تكف عن ابتساماتها التي لم يكن لها أي مكان في أوتوبيس مزدحم كهذا.
واكتشفت أنني لست وحدي الذي يشهد الصراع، فقد التقت نظراتي المتلصصة بنظرات السيد جاري وهي تؤدي نفس المهمة، وطبعا كان اللقاء مخجلا لكلينا، وعقد جاري ملامحه حتى أصبحت أكثر جدية وخطورة، وادعى أنه ينظر أمامه، نظرات دوغري لا يمكن أن يلومه عليها أحد، ولم يمنعه هذا طبعا من أن يحرك عينيه في محجريهما خلسة ليشهد ما يدور هناك، وكذلك لم يمنعني خجلي من أن أجعل نظراتي تسترق الخطى هي الأخرى في دوريات استطلاعية متقاربة، كنا فقط نتحاشى أن تلتقي أنظارنا، وإذا التقت - لسوء الحظ - طلى كل منا وجهه بقشرة سطحية مبتسمة، وادعى أنه فقط ينظر ببراءة إلى وجه الرجل الأفطس الواقف قريبا من الشاب والفتاة سابحا في ملكوت من صنعه.
ظللت أنا وجاري نلعب لعبة «الاستغماية» هذه حتى حدث شيء.
فقد وقف الأوتوبيس ثم تحرك.
وكعادة الأوتوبيس إذا وقف ثم تحرك حدثت الاصطدامات التي لا بد منها بين كل جار وجار، والتقت الوجوه مبتسمة ومعتذرة.
وكذلك التقى وجه الشاب بوجه الفتاة، وابتسم الشاب معتذرا.
وقبلت الفتاة اعتذاره باسمة.
وأعتقد أن قلوبنا نحن الأربعة قد دقت بعنف.
وازدادت حركة الشاب، حتى حذاؤه، كان يتحرك بتردد وعصبية، وكأنما يحاول أن يجد له مكانا بين الأحذية الضخمة الكثيرة المتراكمة حوله، ولم تكف عضلات وجهه عن التغير، تنقبض وتنبسط وترتجف، وأحيانا يبتسم فجأة بلا سبب، ثم يلتفت إلى الفتاة وكأنه يهم بعمل شيء، ولكنه سرعان ما يرتد وبه بعض الشحوب.
Halaman tidak diketahui