وأحسست أن بيتنا قد خرب.
وعدت إلى الخارج، ثم إلى الشارع، وما رأتني خالتي بديعة حتى قالت: «عايز حاجة؟»
قلت: «هم فين؟»
قالت: «طلعوا على الجبانة.»
قلت: «وسايبين البيت فاضي؟!»
قالت: «ما أنا هه.»
ورأيت نفسي أمشي.
كان صدري فارغا موحشا كئيبا، والدنيا من حولي لا تجذب انتباهي، ما قيمة أي شيء، ما قيمة أن أقول للناس: «سلام عليكم»، فيردون السلام وتفضل، أنهم أحياء، وأنا حي، ولكن ما حدث قد حدث.
وتهت! بدت لي بلدتنا التي أعرف كل ركن من أركانها بلدة أخرى، كنت أمر في هذه الشوارع والحواري دائما وأنا لا أحس لها وجودا، وأنا آلفها وكأنها بيتنا، واليوم وأنا أمشي فيها، كنت أراها لأول مرة، وكنت أعرف أناس بلدنا وألفتهم من طول معرفتهم، ولكني كنت أمر بهم وأراهم فأحس أنهم رجال، وأنهم أغراب، وأنهم متعبون، شيء لا بد قد حدث، فأنا أحس الآن ببلدنا وأناسها، وكنت قبلا آلفهم، شيء ما لا بد قد حدث.
تهت، فخلال السنين التي كنت بعيدا عنها، كبرت بلدنا واتسعت وأنشئت بيوت جديدة، وكنت قبلا أعرف طريق الجبانة، فبجوارها كانت توجد وسعاية يقام فيها العيد، العيد؟! ترى لماذا لم يعد هناك عيد؟! لماذا لم نعد نحس به؟! يأتي ويمضي كأي يوم من الأيام! أين اليقظة المبكرة؟! والكعكة والعيدية، وثياب الناس الجديدة الزاهية، والمراجيح، والمشبك، والحلاوة الطحينية، و«القرد أبو فلة» الذي كان يفرقع ونخيف به جداتنا؟!
Halaman tidak diketahui