وماذا تبلغ العبارة من حب يتألم صاحبه وهو يجهل سبب ألمه، فيحسبه بعض الحمقى يتألم بلا سبب وهو في رأي نفسه كأنه يتألم بكل أسباب الآلام.
بل ماذا يبلغ الكلام من حب يجعل الحياة كأنها كلمة رضى في شفتي الحبيبة، ويجعل الحبيبة نفسها كأنها كلمة رضى في شفتي الحياة؟
وترى ماذا تبلغ عبارتك أيها اللغوي من حب تتجلى به الحسناء الفاتنة على محب دنف يراها محاطة بأشياء لا يعرف ما هي إلا أنها تجعل لتلك الحسناء في عينيه مهابة الرجاء الذي يوشك أن ينقطع، والخوف الذي يوشك أن يندفع؛ وتظهرها له كأنها مثال لثورة العقل الإنساني الملتهب؛ وتجعل ألفاظها ومعانيها ولمحاتها كأنها أضواء منبعثة من عالم روحي هو أقرب الأشياء وأبعدها، كتخيل الحقيقة والحقيقة نفسها؟
ثم ماذا يبلغ شعرك أيها الشاعر من حب أنت تحتال على تمثيله بالشعور الذي تستوحيه من كل ما هو جميل في السماء والأرض لتصف بكل ذلك فكرا في رأس رجل وعاطفة في صدر امرأة.
ضع اللغات كلها في فم المحب، فإن خفقة واحدة من قلبه ستجعلها كلها بلا تأثير كأنها صمت ناطق؛ لأن هذا القلب هو الساحل الذي تقف عنده أمواج الألفاظ بطبيعتها أو بطبيعته ولو ترامت من جوانب هذا الخضم الذي يجيش بالحياة.
ولا أرى غير شيئين لا يتخطى إليهما عقل الإنسان ولا تنالهما لغته، ما وراء القلب، وما وراء الطبيعة.
الحب! إحدى كلمتين هما ميراث الإنسانية، وهدية التاريخ، والطرفان اللذان تلتقي عندهما السماء بالأرض.
كلمتان ليس لهما من المعاني غير الحقيقتين الخالدتين: حقيقة الألوهية في الروح، وحقيقة الإنسانية في القلب: هما الدين والحب. خرجا من الجنة مع آدم وحواء، فكان الدين في تقوى آدم وتوبته، وكان الحب في جمال حواء ودموعها.
فيأيها القمر الذي أشرق لآدم وحواء ليلة هبوطهما فكافآه بكل ما قدرا عليه وهو ذلك الابتسام الذي يشبه نورا منبعثا من قمرين، وبقيت فيه من يومئذ رقة الفضيلة ومسحة الجمال وجاذبية الحب وبقية من تلك التعزية الأنثوية التي لا تزال تحس بها أرواح العشاق في كل بقعة طلعت عليها من الأرض.
أيها القمر الذي لا يزال يشهد كل عاشقين آدم وحواء، ولا يزال يبعث في كل دمعة من دموع الحب روحا نورانية من شعاعه تبث فيه أنفاسا من حياة الأحلام، وتجعل العاشق يرى كأن هذه الأحلام اللذة المؤلمة تنصب من أجفانه المغرورقة وهو يقظان؛ لأن حبيبته الحسناء تبخل بها عليه وإن كانت أوهاما.
Halaman tidak diketahui