هذا آخر المكتوب الذي أرسلته إلى جناب مولانا أدام الله تعالى فضله المتضمن لتلك القضايا بالتفصيل والجملة. هذا ثم أن أهالي فوة كانوا إذ ذاك شكوا من رئيس المحضرين بها المدعو بحسام، وذكروا أنه يتعدى عليهم بالغرض ويفوق إليهم السهام، فرفعه الفقير لما بلغه من أفعاله، وسمعه من سيرته وأحواله، فجاء بمكتوب من حضرة من بالفضل مشهور والتحقيق موصوف، مولانا فخر القضاة منشي أفندي القاضي بمنوف، وهو على الأطلاق أفضل قضاة هذه الديار، وإليه من بينهم بزيادة الفضل يشار، يتضمن مكتوبه الشفاعة عند الفقير بالمذكور وأن يكون نظره عليه، وذكر أنه قد تاب إلى الله تعالى ورجع عما نسب إليه، فقبل الفقير ما اشارت به حضرته، وكتب له عن ذلك جوابًا صورته: إن أحلى ما تنطق به الالسنة، في جميع الآونة والأزمنة، حمد منشئ أنشأ الموجودات بقدرته على أحسن نظام، وشكر معيدٍ أبدع الكائنات ببديع حكمته على مقتضى المقام، أختار من خلقه خلاصةً هداهم بهدايته إلى التوفيق، وارشدهم بنور عنايته إلى أقوم طريق، وصلاةٌ على أفصح منطق نطق بالضاد، صلاةً يروى بها يوم الفصل كل صادٍ، وعلى آله وأصحابه، وتابعيه وأحبابه، ما أطرى منشئ في مدح أوصافه العلية فأطرب، وشنف المسامع بلطائف نعوته الشريفة فأطنب، آمين. وبعد رفع دعاء إذا قصد باب القبول قيل له: " ادخلوها بسلام "، وسلام أعطر من حديث النسيم بأخباره زهر الكمام، ووصف اخلاص مؤكد بتوابع المدح والثناء، وأعراب عن محبة مشيدة البناء، ونعت الأشواق، التي عجزت عن حصرها الأوراق، فقد وصل المثال الكريم من حضرة من فاق أهل العصر بفضائله الحسان، والمنشئ البليغ الذي إذا أنشأ أنسى سحبان، فقابله المخلص بالإجلال والأعظام، وضرب صفحًا عن شاكي حامله حسام، فإنه كان شكا منه بعض الناس وتظلم، وذكر أنه ينشب الرعية بأظفار لم تقلم، ولكن نرجو له المجاز عن ذلك الطريق حيث كان مرسلًا من جنابكم الشريف، وإذا كان مضافًا إلى جنابكم وموصولا باعتابكم يكتسي كمال التعريف. على أنه كان السبب في فتح باب المصاحبة، والباعث على المراسلة والمخاطبة، وطالما تتشنف الأسماع بأوصافكم التي سارت بها الركبان، وفضائلكم اللاتي يشهد بها أعيان الأفاضل وأفاضل الأعيان، وانتم في أمان الله تعالى وحفظه على الدوام، والسلام.
هذا، وقد ورد عليَّ وأنا قاضٍ بفوة مكاتبات من أحبابنا اهالي المحمية القاهرة، أدام الله تعالى عليهم نعمه الوافرة، من ذلك مكاتبة من مولانا فخر المدققين، القاضي بدر الدين القرافي المالكي صدرها:
أيا بحرَ المعالي والمعاني ... ومن للمكرمات يجيدُ عزما
لتهنأ بالولاء بحسن مجدٍ ... ونرجو أن يزيد نداك حتما
لفوة قوةق أبدت سريعًا ... قضاء قنا بقصدٍ ثم جزما
فقد جاء الرسول بكتب مولىً ... وقاضي عسكر قد زاد حكما
بتولية القصير كذا قناء ... قنا يا رب هما ثم غما
فكان مجيئه في يوم الاثنين ... وفيه مسافرًا قد رام مرمى
فعالجنا بحكمٍ من وزيرٍ ... ومكتوب لقاضي مصر رسما
مخافة أن يطول الأمر يومًا ... ونخشى أن يضيع الحال حشما
وتدريس الفقير أتى جليًا ... على وجه يزيد الحال غما
بقيتم في علوٍ وارتفاع ... ودمتم تمنحون الخلق علما
فكتبت له في صدر مكتوب جوابًا عن ذلك، صورته:
أتاني منك مكتوبٌ كريم ... حوى البشرى ولكن فاق نظما
فشوقني لاحبابي بمصرٍ ... وجدد عهد أشواقي ونمى
فأني لم أفارقهم بقلبٍ ... إذا فارقتهم بالرغم جسما
وقد سر الفقير بما ذكرتم ... له من شفع مكتوب وحكما
فمصر ليس لي فيها صديقٍ ... سواكم ارتجيه لما أهما
فأن تك شافعي حكمًا حديثًا ... فأنك مالكي بالجود قدما
وفعلك للجميل إذا تعدى ... وخص نداك إخوانًا وعما
فكم أوليتنا فعلًا جميلًا ... وكم لك مثل هذا الفعل اسما
فلا زالت عوارفكم غزارًا ... . . . . . . . . . . .
ويدرك مشرقًا في أفق سعدٍ ... ومجدك شامخًا بدءًا وختما
1 / 22