على أنه إذا جاء الأجل المحتوم فلا حيلة في رده، ولكل شيء حد فإذا تم وقف عند حده.
وعلى كل حال فأن الموت كاسٌ لابد ان يردها الخاصُّ والعام، ولا يبقى إلاّ " وجه ربك ذو الجلال والأكرام " فالمتحتم حينئذ تلقي أمر الله تعالى بالقبول والرضى، " فإنا لله وإنا إليه راجعون " فيما قدر وقضى. ولعمري إنَّ هذا المولى حقيق بان تشق عليه القلوب قبل الجيوب، وأن تجري عليه العيون دمًا فضلًا عن الدمع المسكوب. غير أن الواجب اطاعة الله تعالى في الباطن والظاهر، والتأسي بقوله تعالى: " لقد كان لكم في رسول الله اسوة حسنة لمن كانت يرجو الله واليوم الآخر " ولكن:
سأبكيه ما فاضت دموعي وأن تغض ... فيكفيه مني ما تجنُّ الجوانحُ
لئن حسنت فيه المراثي وذكرها ... فقد حسنت من قبل فيه المدائح
فرحمه الله تعالى رحمة واسعة، وبرد بمياه الرحمة والغفران مضاجعه، آمين. هذا، ثم في تلك الغضون عزل اسكندر باشا وقدم حضرة الوزير الأكرم سنان باشا متواليًا إلى المملكة المصرية. واتفق في تلك الايام خلوّ مدينة فوة من قاض ينظر في الأمور الشرعية، فاقتضى الحال بمشاورة مولانا حفظ الله تعالى جنابه الخطير، تقليد العبد قضاء البلدة المذكورة من حضرة الوزير. وأمره شفاها بالنظر في الاحكام، وفصل القضايا الشرعية بين الأنام. فتعين حالتئذ التوجه إلى البلدة المذكورة، وصحبت معي صاحبنا الفاضل الشيخ علي المالكي ذا الفضائل المأثورة، وودعت حضرة مولانا قاضي القضاة حفظ الله تعالى ذاته الشريفة ورعاها، وركبنا في السفينة قائلين " بسم الله مجراها ومرساها " فوافينا دخول البلد عشية نهار الأحد سابع عشر جمادي الأولى سنة تسع وسبعين وتسعمائة جعل الله تعالى عاقبتها إلى خير. وكان من لطيف الأتفاق أن رسولنا قدم في ذلك الوقت إلى مصر بتوليتنا قضاء قنا والقصير، فحصل لمولانا قاضي القضاة غاية البشر والسرور، وجهز صحبته مراسيم شريفة لضبط لقائنا المذكور. وكان صحب الرسول عروض تتضمن الرقي لصاحبنا الشيخ علي المذكور في المدرسة السرياقوسية وأخبرنا بحصول ذلك الترقي واتمام تلك القضية، فسررنا باتمام ذلك المرام، وتوجه بعد ذلك صاحبنا المذكور إلى القاهرة بعد أن أقام عندنا بعض أيام. ووجدنا لفراق أنسه وحشة كلية، وافتقدنا لطف مصاحبته العلمية.
1 / 18