وإنما تسمى العلاقة بين الذكر والأنثى حبا إذا تميزت فيها شخصية من جنس الرجال وشخصية من جنس النساء، فلا يغني عن كل منهما بديل من جنسه، إلا إذا وهنت العلاقة التي بينهما.
والسنة العامة في الحب هي التوحيد والاكتفاء بمحبوب واحد في حينه، ولكنه قد يجري على غير هذه السنة في بعض أحواله الغريبة، فتحب المرأة غير رجل وقد تحب عدة رجال؛ لأن «شخصية» الرجل الواحد لا تنحصر فيها جميع المزايا التي تستهوي النساء من الرجال، وقد تبرز مزية واحدة كل البروز فلا يسع المرأة أن تغفل عنها، وتضمر فيها المزايا الأخرى فلا تصبر المرأة عن نشدانها في «شخصية» أخرى.
وقد تشعر المرأة بالحاجة إلى حب رجلين اثنين متناقضين: أحدهما تكبره وتكبر نفسها إذا علمت أنها كبيرة في نظره، والآخر تصغره ولا تبالي أن تكشف له صغائرها وتطلعه على مذلاتها، وتستريح إلى محادثته لأنه من الجنس الآخر ولا تشعر بمثل هذه الراحة إلى محادثة صديقة من جنسها.
والمزايا التي تستهوي النساء من الرجال لا تحصى في تعدد أنواعها ودرجاتها، فمنها القوة والجمال والشهوة واللباقة والظرف وعلو المكان وبسطة الجاه، ومنها ما يرضي غرورها وما يرضي جسدها وما يرضي ذوقها وما يرضي فؤادها. وكلها تتطلب الإرضاء ولا تتلاقى في «شخصية» واحدة، فلا يندر من أجل هذا أن تتعلق المرأة بأكثر من رجل واحد تعلقا صحيحا لا رياء فيه، وتعينها على ذلك سليقة الاستغراق التي تهون عليها الانتقال من حال إلى حال في حضرة كل محبوب، فلا ينكشف سرها إلا بانتباه شديد؛ لأن المرأة قد تنكشف حين تبغض وتداهن من تبغضه، ولكنها لا تنكشف حين تحب وتظهر المحبة وإن أضمرت غيرها في اللحظة بعينها، وهذه هي العقدة التي يحسبها بعضهم لغزا كاللغز الذي يصادفه العلماء النفسانيون في أصحاب «الشخصية» المتعددة، وليست هي باللغز على هذا الاعتبار؛ لأن الشخصية المتعددة غير الشخصية الفذة التي تمر بحالة بعد حالة وتستغرق في كل منها فترة تقصر أو تطول.
وفي حب المرأة مجال للتناقض - غير ما تقدم - يرجع إلى تفاوت درجات الأنوثة الذي سبقت الإشارة إليه.
فمن التعبيرات المجازية التي تقارب الحقيقة العلمية كل المقاربة أن المرأة والرجل لا يكمل الوفاق بينهما إلا إذا كان فيهما معا ذكر كامل وأنثى كاملة، أو مائة في المائة من الذكورة ومائة في المائة من الأنوثة كما يقال في الاصطلاح الأوروبي الحديث.
ولكن المرأة التي تكمل فيها مائة في المائة من الأنوثة غير موجودة، والرجل الذي تكمل فيه مائة في المائة من الرجولة غير موجود.
فالمرأة التي تغلب عليها الأنوثة يصلح لها قرين تغلب عليه الرجولة، فإذا انحرفت المرأة نحو طباع الرجال فأصلح القرناء لها رجل منحرف نحو طباع النساء.
وقد تسيطر المرأة على رجل وتخضع لرجل غيره، تبعا لاختلاف نصيبهما من الفحولة وصعوبة المراس.
وهذا التفاوت في درجات الأنوثة هو سبب الانحراف في علاقات الجنس بين بعض النساء المعروفات «بالسافيات» نسبة إلى الشاعرة اليونانية سافوا التي تغزلت في بعض أناشيدها بالفتيات.
Halaman tidak diketahui