ولا يمكن أن تكون الغريزة الجنسية هي الجمال؛ إذ المرأة ليست بالجميلة لأنها امرأة، وإنما هي امرأة ثم يضاف إليها وصف الجمال.
وقد عرضنا لمذهب نوردو المتقدم في فصل من فصول كتابنا «المراجعات» وأتينا ببعض الملاحظات التي توجب مخالفته ثم قلنا: «إن الغريزة الجنسية لا ريب من أقوى الغرائز تفرعا وتوزعا في جوانب الإحساس ودخائل التفكير، وإنها ولا جدال على اتصال وثيق بشعور الجمال ومطالب الفنون لا نراها منعزلة عنها فيما ينظمه الشعراء ويمثله المصورون ويغنيه المنشدون، ولكن ليس معنى ذلك أنها هي أصل كل شعور بالجمال وأن الحياة نفسها لا جمال لها إلا من حيث إنها علاقة بين ذكر وأنثى ووسيلة لإعطاء الحياة لمخلوق جديد، فإن الحياة غاية الغريزة الجنسية وليست هي الجسر الذي نعبره إلى الحب والجمال. فإن كانت الحياة في ذاتها خلوا من معنى جميل أو مقضيا عليها بالحرمان من رؤية الكون في هيئة تسرها وترضيها وتوسع لها من أكناف الأمل وتضاعف لها من بهجة الوجود فأي شيء يزيد عليها من انقسام الأحياء إلى قسمين أو جنسين؟ ثم ما فضل البقاء المشوه الذي نتوسل إليه باختلاف ذينك القسمين أو ذينك الجنسين؟
أما أننا نتصور الإمة والشهرة والصداقة والمحبة والحكمة وغيرها في صورة مؤنثة فإنما يدل على أن للجمال في أذهاننا معاني كثيرة غير معنى الأنوثة، وأننا نصور تلك المعاني في صورة المرأة لأنها «الشخص المحسوس المحبوب» الذي تقدر الفنون على إبرازه للعيان. ولولا ذلك لما جاز التشابه بين مثال المعاني في الذهن ومثال المرأة في النظر، ما دامت المرأة قد استأثرت بكل صفات الجمال في هذه الحياة.
ويقابل هذا أننا نصور الخواطر القوية في هيئة الرجولة ولا نستخلص من تصويرها كذلك أن العلاقة بين الرجل والمرأة هي أصل كل ما في الحياة من بأس وقوة، وسبب كل ما يتصوره العقل من قدرة ونفاذ. على أن تماثيل الرجال في الفن اليوناني والروماني لا تقل عن تماثيل النساء، والإعجاب الفني بجمال جسم الرجل لا ينقص عن الإعجاب الفني بجمال جسم المرأة، فلماذا يعجب الفنانون بأمثلة الجمال في أجسام الرجال إن كان في غريزتهم ألا يحبوا الجمال ولا يتخيلوه إلا في أجسام النساء؟» •••
غير أننا إذا نفينا أن الغريزة الجنسية هي الجمال أو هي مصدر الشعور بالجمال فلا يستلزم ذلك أن ننفي العلاقة بين شعور الجمال ووظائف الأعضاء.
لأن الرجوع إلى وظائف الأعضاء لازم لقياس حرية الحياة في أداء تلك الوظائف على وجه لا نقصان فيه ولا زيادة.
ومثلها في هذا - كما قدمنا - هو مثل الأوزان والبحور التي تقاس بها حرية الشاعر في التعبير وقدرته على التصرف بالمعاني والألفاظ.
أو هو مثل كل وزن وكل نظام مطرد في فن من الفنون الجميلة: ليس مكانه أنه قيد عائق معطل للحرية، بل مكانه أنه مقياس للحرية الذي يميز بينها وبين الفوضى المطلقة بغير وزن أو نظام وإلى غير غاية أو استقامة.
ومتى عرفنا أن وظائف الأعضاء هي مقياس الحرية والجمال في جسم الإنسان؛ عرفنا كيف يكون جمال المرأة أو كيف ينبغي أن يكون.
فجسم المرأة جسم تابع وليس بالجسم المستقل الذي لا ينظر في تكوينه إلى غيره.
Halaman tidak diketahui