وفي حومة هذه المعركة التي تثير الشهوات، افتتح الملك الحديث، ولم يكن يحق لغيره أن يفتتحه، فكانت هدنات تقطعها فترات، يتناول فيها المدعوون بعض لقيمات، وقد تعود الجميع هذا الطراز من المؤاكلة مع جلالته، ولكن الأستاذ كاد يموت غيظا وهو الذي لم يتعود مؤاكلة الملوك، فالتزم جانب الصبر، وساير الحضور فيما تستلزمه المراسم الملكية وتقاليدها.
وكان جلالته قد لاحظ نظرات وزير الميسرة، يرمق بها المشعوذ بحذر واحتقار، فأراد أن يرفع الأستاذ في عين وزيره، فوجه إليه الحديث قائلا: وهل لا يزال وزيرنا العزيز على رأيه في منح المرأة حق المساواة بالرجل؟
فأجابه وزير الميسرة: أليست إنسانا كالرجل؟ فلم لا تكون مساوية له في الحقوق؟
هنا التفت الملك إلى أستاذنا الجليل مبتسما ابتسامة من يغري بالجواب والمناقشة، فلم يخيب المشعوذ ظن الملك، فأخذ يقول: المرأة إنسان كالرجل؟ ألا تزالون تؤخذون بقول البدو من الأعراب وهم همج حمق لا يفقهون شيئا من معاني الحياة؟ نعم، إنهم قالوا: إن المرأة إنسان، وأبوا لجهلهم وسفههم أن يقولوا إنسانة، حتى لا يفرقوا بينها وبين الرجل في المعنى، ولكن أنحن مضطرون في حضارتنا أن نسير وراء مفاهيم البدو في همجيتهم وجاهليتهم للكلمات؟ المرأة لا أدري ما هيه؟ ولكنها متعة الرجل، وهو وحده الإنسان، وليس لها من حقوق يجوز لها أن تطالب بها، فالرجل سيدها يمنحها ما يشاء، ويمنع عنها ما يشاء، وسعادتها في إرضائه وحسب، وليس لها من الأمر شيء.
الوزير :
ولكن «أليست أما للرجل وأختا وزوجة تشاطره الحياة نعيمها وبؤسها؟ أليست هي التي تعطف عليه وكثيرا ما تسدد خطاه؟»
الأستاذ (وقد بدت عليه بوادر الانتصار) :
بقولك أخذت، ألا يدل ما تقول على صحة ما ذهبت إليه؟ أليست للبيت، تخدم الرجل ولدا وزوجا وأخا؟ ألا تكون بذلك خادمة للرجل وحسب؟
الوزير :
الله الله! وهل يفهم بالعطف، عطف الأم والزوجة والأخت، وهل يفهم بالتربية، تربية الأم لولدها، خدمة محتقرة على ما تقصد يا سيدي الأستاذ؟ أترى في عطف جلالة المليك على رعيته وفي عنايته بتدبير شئونهم وحمايتهم أنه خادم في رعيته على ما تريدون في مفهوم الخدمة؟ ولعلكم إنما تريدون ما يقصده أولئك البدو في قولهم: سيد القوم خادمهم، لما ينالهم منه من منافع وخيرات!
Halaman tidak diketahui