Zaman Ini dan Kebudayaannya
هذا العصر وثقافته
Genre-genre
قالت: وما الذي شجعك بعد خذلان؟
قلت: شجعتني الأوهام، والأوهام - كما قد تعلمين - تخلق الأبطال، فقد أنبت نفسي على يأسها وتخاذلها، وقلت لها: إنك تعلمين حق العلم - يا نفسي - أنها ليست قطرة المداد في ذاتها، هي التي ستغير وتهدم وتبني، بل هي الكلمات التي ستصاغ بها تلك القطرة، إنها لن تعود سائلا في زجاجة، بل ستجري على الورق رموزا، هي الألفاظ، وتبعث الرموز أشعة ضيائها إلى حدقات العيون - هي عيون القراء - وتنقل الحدقات الرسالة إلى الأذهان وإلى الصدور، فتتحرك هناك عقول وتنبض هنا قلوب، هذا هو ما تتحول به قطرة المداد الضئيلة هذه.
قالت قطرة المداد: لقد قلتها بلسانك يا رجل، فأنا وما يشكلني به الكاتب، ومن هنا تراني قد بدأت حديثي معك، بقولي: إنكم أيها الكتاب تلومون دنياكم والعيب فيكم، فللكاتب منكم أن يجريني على قلمه، فإذا أنا الحرية العزيزة قد تنفست لفظا، ولكني قد أسيل على قلم الدليل، فأنقلب وكأنني الأغلال في أرجل العبيد، نعم، إنني وما يشكلني به الكاتب، وإنه ليخيل إلي أن معظمكم يا معشر كتاب اليوم، قد ذهب عنكم المجد الذي كان لأسلافكم، فأصبحت أنا - قطرة المداد التي تراني - كالماء الراكد في حمأة عطنة، بعد أن جرت زميلات لي على أقلام السابقين، فكن أبحرا زاخرة بالدر النفيس من فكر ووجدان.
قلت: أنت وما شئت أن تقولي، وربما كان موضع الخطأ عندك وعندي أننا معا نسمي كاتبا من ليس بكاتب، هل سمعت عن «العرض - حال - جي» ما هو؟ (ولقد قطعت لك الكلمة لتدركي أجزاءها)، فهذا أيضا رجل يجلس إلى منضدة، أمامه ورق، وفي يده قلم، لكن الزبون هو الذي يملي عليه ما يريد، وسأقص عليك نكتة فكهة قلناها في أسمارنا لنضحك. فلقد حدث لرجل أن ضاقت به سبل العيش، وجعل يفكر في طريق سهل يكسب به كسرة خبز، وكان الرجل أميا لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك فقد رأى أن مهنة «العرضحالجي» - كما شهدها في أصحابها - مهنة خفيفة ومريحة، فماذا لو أعد منضدة صغيرة كسيحة، وجلس إليها على نحو ما يفعل الآخرون؟ وذلك هو ما حدث بالفعل، فجاءته زبونة تطلب منه أن يقرأ لها ورقة أعطتها له، فأخذ الرجل يقرأ: بعد التحية والسلام، نعرفك بأننا في صحة جيدة! فصاحت الزبونة قائلة: ما هذا الذي تقوله يا سيدنا؟ إن الورقة التي بيدك كمبيالة! فقال العرضحالجي المزور وهو في ربكة من الخجل: ولماذا يا سيدتي لم تقولي هذا في البداية؛ لأقرأها لك قراءة كمبيالات؟!
قالت قطرة المداد: وماذا أردت الإشارة إليه بهذه القصة؟
قلت: أردت أولا أن أشيع فيك شيئا من المرح؛ لأخفف عنك هذا التوتر، الذي ألحظه ساريا في كيانك، ثم أردت ثانيا أن أنبهك إلى خطأ عندك وعندنا، حين نخلط بين الكاتب بمعناه الذي يجعله مصباحا هاديا على الطريق، وبين كاتب عروض الحال، سواء أكان ممن يقرءون ويكتبون، أم كان زائفا أميا استسهل المهنة فاحترفها. ولست أشك في أنك تدركين الفرق البعيد بين كاتب يعاني ما يكتبه ويحياه، وآخر ينفذ لصاحب الشأن ما يريده، وعلى صاحب الشأن أن يحدد له المسار مقدما؛ لكي يتاح للكاتب (الزائف في هذه الحالة)، أن يتبين نوع الكتابة المطلوبة للزبون، أهي كتابة «الخطابات! أم كتابة الكمبيالات!»
أحسست وقد بلغ بنا الحوار هذا المدى، أن كلينا - قطرة المداد الباقية وأنا - قد استرخى وهدأ انفعاله واطمأن؛ فقلت لها وأنا أدنو قليلا نحوها بسن القلم: أرجو أن تحملي كثيرا مما وجهته إليك محمل المزاح، إن شطرا كبيرا مما قلته قد يكون حالة خاصة عندي من الشعور بالقصور، فلقد أفرغت قبلك عدة زجاجات من الحبر، حتى ملأت بكلماتها ما يقرب من عشرين ألف صفحة، كان فيها الغث ولكنها لم تخل من بعض السمين، ومع ذلك فقد يراني بعضهم - ومن خيرة المثقفين - أنني دخلت عليهم الميدان كالشهاب، بلا مقدمات! فأين إذن يا صديقتي ذهبت زجاجات الحبر، التي انسكبت قطراتها على مدار السنين؟
هو يا أختاه شعور عندي بالقصور، فليس اتهامي موجها إليك بقدر ما هو موجه إلى شخصي، وكيف أوجه إليك اتهاما، وأنا أعلم عن أخوات لك سابقات، كن قد تحولن على أقلام الكتاب الفحول ألسنة من نار؟ ألم تكن كلمات الجيل الماضي، وقودا أشعل الثورة في صدور قادتها، ثم أشعلها بعدهم في أبناء الشعب جميعا؟ لا، لم يكن ما قلته اتهاما موجها إليك، فأنت - كما قلت لي منذ حين - وما يشكلك به الكاتب، لم يكن قولي اتهاما بقدر ما كان عتابا أعاتب به نفسي، وأعاتب معي بعض من حمل القلم، فلم يجعل كتابته لسانا لضميره، كما ينبغي لها أن تكون - ولم يجعلها سفيرا للعقل، ولا وحيا للفكرة، لقد سئل أحد أسلافنا: أي شيء تعرف به الرجل؟ فأجاب: إذا كتب فأجاد، والكاتب إذا أجاد الكتابة - كما قال من الأسلاف قائل آخر - سالت عن قلمه عيون الكلام من ينابيعها، إن الكاتب الجاد أمام ألفاظه التي يسكبها، لتحمل ما أراده من معنى، لكأنه روح تجزأ في أبدان متفرقة.
وعند هذه النغمة الأخيرة، استسلمت لقلمي قطرة المداد الأخيرة، فاستقاها القلم بمنقاره الحاد، وفرغت زجاجة الحبر؛ فحرصت على أن أنتقي ما أكتبه، وفاء لتلك القطرة الفصيحة، ثم ما لبثت أن قلت لنفسي: لماذا لا ترد لها جميلها، بأن تثبت على الورق ما دار بينكما من حوار؟
ليس إيمان الدراويش
Halaman tidak diketahui