Zaman Ini dan Kebudayaannya
هذا العصر وثقافته
Genre-genre
وانظر بعد هذا إلى أي مواطن عربي عابر في الطريق، كيف يقابل اللحظة التي نجتازها، تجد خصائصه الكامنة في طبعه قد وضحت أمام الأبصار: فهو لكل مواطن عربي آخر أخ تجمعهما أسرة واحدة، وهو على وعي كامل بما تلقيه الظروف عليه من تبعات، حتى ولو لم يكن إبان الحياة العادية، ممن يطيقون تحمل التبعات، وهو هادئ، متفائل، يعلم في يقين أن الأمور صائرة آخر الأمر بإرادة الله - متمثلة في إرادته - إلى خير.
ثقافة أخرى
كم هي الأعوام التي انقضت منذ جلست آخر مرة، هنا، في مدينة «توركي» على الشاطئ الجنوبي من إنجلترا، وهي مدينة ترقد بين البحر والجبل، وتنبت منازلها على السفوح المخضرة بالعشب والشجر، حتى لكأنها زهرات أخرجتها الطبيعة بيضاء وحمراء، فكل شيء هنا متسق مع كل شيء، فلا السماء ارتفعت وحدها، ولا البحر انعزل، ولا استقل بكيانه الخاص جبل، أو شجر، أو طير، أو حيوان، أو منازل، أو إنسان!
نعم، كم هي الأعوام التي انقضت منذ جلست آخر مرة هنا، والحرب العالمية الثانية تدور رحاها، والفزع يملأ الهواء وتسري رعشته في اليابس والماء، ووجوه الناس واجمة، لا تفتر فيها شفة عن ابتسامة! فأين تلك الجلسة الماضية بأحزانها وهمومها، من هذه الجلسة - في المكان نفسه بعد عشرات السنين التي انقضت - وجموع الناس من حولي لاهية ضاحكة، كأنهم في يوم عيد؟!
فأطلت الجلوس ما أسعفتني ظروف الساعة أن أطيل، الصحيفة اليومية في يدي، وقد كدت أفرغ من قراءتها، والبصر زائغ هنا وهنا وهناك، يبحث في الناس عن الظواهر، التي يمكن أن تتخذ علامات مميزة لما نسميه بثقافة «الغرب» الحديث، أهي في هذه الطرز العجيبة من الثياب، التي يتعمد أصحابها أن تبدو وكأنها أقدم من القدم، ذهبت ألوانها وتمزقت أطرافها؟! يا سبحان الله! كنت أفهم لو أن هؤلاء الناس قد أرادوا أن يقيموا الدليل على القوة والغنى، فارتدوا من الثياب جديدها اللامع بزخارفه، لكن لا! إن القوة والغنى يبدوان في هذه «الهلاهيل»، الكالحة الممزقة التي يلبسونها، ولله في خلقه شئون! فالأقوام تتظاهر بما ليس عندها، فإذا رأيت قوما يتظاهرون أمام الغرباء، بالطعام الغزير وبالثياب الفاخرة، فاعلم أنهم في حقيقة أمرهم، يعوزهم الطعام وتنقصهم الثياب؟ إنها مفارقة من مفارقات الحياة، فحيث يكثر الجوع والعري، يشتد التنافس بين ذوي اليسار على بدانة الأجسام وضخامة الكروش، وعلى الإسراف في زخرف الثياب، كأنما الواحد منهم أو الواحدة يريد أن يقول للناس: إنني لست واحدا من الجائعين العريانين، فأنا ذو مال وجاه! وأما إذا كانت وفرة الطعام والثياب أمرا مفروغا منه، انقلب الوضع، وأصبح الناس أميل إلى نحافة الأجساد وإلى بساطة الثياب، فهذه الملابس الكالحة الممزقة، التي أراها هنا فيمن أرى من الناس، إنما هي علامة مقصودة، تدل على أن العصر هو عصر وفرة إلى حد التخمة.
لا، لا - قلت لنفسي - إنك لن تجد علامات العصر التي تبحث عنها، في هذا الذي يقع عليه البصر، فالبصر إنما يقع على «ظواهر»، على حين أن ملامح العصر تتمثل فيما هو «باطن» مخبوء ، وعندئذ خطرت لي خاطرة، في أن أعيد النظر في الصحيفة اليومية التي طويتها في يدي؛ لأرى «الغرب» على صفحاتها، فماذا فيها من صور لا تحدث إلا هنا؟
وأخذت أقلب الصفحات، فإذا بالصور تتزاحم في كثرة لم أتوقعها، لقد طرحت من حسابي، ما كان يمكن أن أجد مثيلا له في حياتنا نحن في مصر؛ لأن ما هو مشترك بيننا وبينهم - حتى إن دل على العصر الجديد - فهو لا يعد سمة خاصة «بالغرب» وحده، وإلا لما شاركناه فيه، وهاك بعض ما وجدته من صور الحياة في الغرب الحديث، مأخوذا من صحيفة واحدة في يوم واحد.
كنا قد شهدنا ليلة أمس برنامجا في التليفزيون، يصور للناس قصة غريبة لسيدة في الستين من عمرها، أخذت تغري أمها التي أوشكت على التسعين، والتي سكنت غرفة في أحد بيوت العجائز الكثيرة، التي أعدت لمن تقدمت بهم السن، ولحقهم مرض الشيخوخة دون أن يكون إلى جوارهم من يعينونهم على الحياة، أقول إن السيدة الابنة أخذت تغري أمها تلك بالانتحار حتى زينته لها، فأحضرت لها في زيارتها الأخيرة أقراصا مخدرة لتضعها في شرابها، حتى ينسدل على حياتها ستار الموت، وكانت الشرطة قد علمت بالجهود التي تبذلها الابنة في إقناع أمها، بأن تنزع حياة نفسها بيديها، ولقد جاء النبأ إلى الشرطة عن طريق أخت لها، فترصدت الشرطة للسيدة، ووضعت جهازا تليفزيونيا مستورا، يسجل زياراتها لأمها وما يدور بينهما من حديث، حتى كانت تلك الزيارة الأخيرة، التي قدمت فيها الابنة إلى أمها أقراص التخدير.
وقبض على الجانية عند خروجها من غرفة أمها - ولم تكن الأم قد فقدت حياتها بعد - وقدمتها الشرطة إلى المحاكمة وهمت بالإنكار، فصدموها بالشريط التليفزيوني الملون، بكل ما دار وحدث في غرفة الأم، وحكم عليها بالسجن لمدة عامين، فرأينا ليلة أمس على شاشة التليفزيون قصة الأم وابنتها، منذ كانت الابنة طفلة مات أبوها وهي صغيرة، إلى أن تطورت بها الحياة وأصبحت بدورها أما ثم جدة، وشاءت لها الأيام أن تعسر بها الحياة بعد يسر، فهنا أدار الشيطان في رأسها فكرة حمل أمها على الانتحار؛ لأنها كانت تعلم أنها ترث عن أمها أربعين ألفا من الجنيهات.
كان الحوار الذي سمعناه بين الأم وابنتها، محركا للعواطف، فلقد سألت الأم ابنتها: أأنت واثقة من أن هذه الأقراص، كافية حتما للقضاء على الحياة؟ وأجابتها الابنة بالإيجاب، محرضة إياها أن تضعها في كأس من الخمر؛ لأن ذلك مما يقضي على الشك، قالت الأم لابنتها: إنني خائفة، فشجعتها الابنة قائلة لها: مم تخافين؟ هل تجدين حياتك هذه جديرة بالبقاء؟ أإذا كان لديك كلب في مثل ضعفك هذا، ألا تأخذينه للبيطري مختارة ليقتله؟ أجابت الأم: نعم، ولكن ليس للكلب روح، كالتي وهبني الله إياها، وإني لأخاف أن أنزعها عن بدني بإرادتي، فأنال العقاب يوم الحساب، فأخذت الابنة في إقناعها بأن الله لا يعاقب على فعل كهذا، لكن الابنة لم تكد تخرج ويقبض عليها، حتى أسرعت الممرضات بأمر الشرطة، فجمعن من الأم أقراص الموت.
Halaman tidak diketahui