Zaman Ini dan Kebudayaannya
هذا العصر وثقافته
Genre-genre
لم يذكر أحد منا - نحن الثلاثة الذين التقينا هناك في أقصى الغرب؛ ذلك الركن المعزول في غير هجران - لم يذكر أحد منا شيئا عن اللغة العربية، والحيوية التي تسري في عظامها ومفاصلها، لكننا جميعا أحسسنا بأن تلك اللغة بيننا، لم تكن خيوطا صوتية، تروح بيننا وتجيء، وكأنها خيوط القطن في أنوال الغزل، بل أحسسنا وكأنها الأفئدة تنتقل وتتجاذب في ألفاظ ونبرات.
ويعود السؤال بيننا فيظهر من جديد: ماذا بين العربي والعربي، مما يظهر على أقواه وهما في الغربة؟ هنالك كثيرون من غير أبناء الأمة العربية (وأحيانا من أبنائها أنفسهم)، يعتقدون بأن الوحدة القومية بين الشعوب العربية وهم مزعوم، وأن تلك الشعوب لا يربطها إلا الرقعة الجغرافية المتصلة، ولم يكن غريبا أن نرى سياسة الاستعمار الأوروبي، تشطر ذلك الاتصال الجغرافي شطرين بفاصل اسمه إسرائيل؛ لتزيل من الأذهان حتى ذلك الوهم القائم على التجاور الجغرافي، لكن هؤلاء جميعا لم يعرفوا بأي المشاعر تهتز نفس العربي، إذا ما التقى بأخيه العربي في غربة، وأخذا يتحدثان باللغة العربية!
قال أحد الزميلين في محاولة الجواب: ألا يكون الرباط الذي يجذب العربي إلى العربي، إذا هما التقيا في أرض الغربة، رباطا سلبيا أكثر منه إيجابيا؟
سأله زميله: وماذا تعني؟
فقال: أعني أن شيئا من التعاطف بين العربي والعربي، ينشأ من شعورهما معا بما يعتور الأمة العربية في حاضرها، من أسباب العجز والتخلف؛ فالمشاركة في الضعف تدعو إلى التراحم. إن في موروث الأمة العربية ما لا يسعفها عند الجري في ميادين الحياة العصرية، بل إن من موروثها ما يحدث لها العثرة والسقوط، فبينما الازدهار في مجالات الاقتصاد هو هدف عصرنا، وبه تقاس الأمم تقدما وتأخرا، نرى الأمة العربية ما زالت تعلي من المظهرية الاجتماعية، فلأن يظهر العربي أمام الناس بأنه من أصل كريم، أهم عنده من أن ينمو في علم أو في صناعة؛ ولذلك فقد كثر حديث العربي عن «المجد» القديم، وكأنما لا يؤرقهم ألا يكونوا ذوي مجد حديث، ولقد ترتب على هذه الصفة الأساسية فينا، صفات أخرى، منها أن أبناء هذا العصر يزهون بما «ينتجون»، على حين أن كثيرين منا ما زال موضع زهوهم هو أنهم «يستهلكون»، ولكم شهدنا من العرب هنا (خارج الوطن العربي) من يبعثر ماله بغير حساب؛ ليقال عنه إنه ذو ثراء، فليس مصدر فخره أن يكون قد أنتج، بل مصدر فخره أنه أضاع.
هكذا قال أحد الزميلين؛ ليعلل حنين العربي للعربي في الغربة، بكونهما معا في الهم شريكين، وهنا اعترض الزميل الآخر على أن يكون الرباط بيننا، هو أمثال هذه الصفات السلبية، مقترحا علينا أن نبحث عن جوانب الالتقاء في خصائص إيجابية، يتميز بها العربي أينما كان، ومن أي جزء من الوطن العربي جاء، وتساءل بدوره قائلا: ما الذي يجعل الشاعر العربي والكاتب العربي والفنان العربي، في أي بقعة ظهر، شاعرا للجميع وكاتبا للجميع وفنانا للجميع؟
إن أحمد شوقي، وطه حسين، وأم كلثوم، لم يكونوا لمصر بأكثر مما كانوا للعرب جميعا، وإذن فحين يكون الأمر أمر فكر وشعور، تكون الأرض مشاعا مشتركا بين العرب أجمعين، وفي هذا وحده ما يشير إلى الأسس العميقة، التي أقيمت عليها القومية العربية الواحدة.
فقلت للزميلين بعد صمت، استمعت للحوار بينهما: قلت، إنه لمما يلفت النظر، حتى وشيء من الخلاف قائم بين بعض الدول العربية، أن تكمن وراء هذا الخلاف نفسه «وحدة»، تشع كما يشع ضوء الشمس من وراء السحب، إن في العالم مجموعات أخرى من الدول غير مجموعة الدول العربية، وبينها ما بيننا من روابط اللغة والعقيدة، وقد يكون بينهما مثل ما بيننا من محاولات للمشاركة في خطط السياسة والاقتصاد والثقافة، لكن ثمة اختلافا بين مجموعة الدول العربية ومجموعاتهم؛ ففي مجموعاتهم ترى الصداقة أو الخصومة ، لا تجعل مصير كل دولة منها متوقفا على مصائر الأخريات، كأن اتحادها أو عدم اتحادها يأتي كغطاء الرأس، تضعه أو تخلعه دون أن تتأثر لذلك هوية الشخص ذاته، وأما بين الدول العربية فالأمر مختلف؛ لأن الدولة منها لا تستطيع أن تتخذ لنفسها موقفا، إلا إذا كان بصرها وسمعها على بقية الدول، لشعورها القوي بأنها لا تستطيع أن تشذ دونها، وأن تظل على شذوذها فترة طويلة.
وختمنا وقفتنا القصيرة وحوارنا، بأن قلنا معا إن ما بين ثلاثتنا من رباط، إنما هو امتداد لما كان منذ كانت في الدنيا عروبة، وسوف يظل قائما ما بقيت في الدنيا عروبة، وعروبتنا طبع وثقافة معا، أو قل إنها طبيعة وتاريخ.
طبيعتنا وما ينبع منها
Halaman tidak diketahui