Zaman Ini dan Kebudayaannya
هذا العصر وثقافته
Genre-genre
والفكرة التي راودتني، والتي رأيتها توضح لي موضع النقص، الذي أحسست وجوده في حياتنا الثقافية، هي أن المرحلة الوسطى التي كان ينبغي لها أن تجيء بين صورة الحياة الواقعة كما قدمها لنا الأدباء، من جهة، وما يقوم به فريق التنفيذ - رجال القانون، والاقتصاد، والاجتماع، والطب، والتعليم، والسياسة - من جهة أخرى، أقول إن المرحلة الوسطى التي كان يجب أن تجيء بين تصوير الواقع كما يقع، وبين خلق الجديد المنتظر، لم تجد من يضطلع بها على الوجه الأكمل، فكان بين أيدينا واقع شائك يراد إصلاحه، ثم محاولات عملية نحو ذلك الإصلاح، دون أن يتوسط الطرفين فكر نظري، يستخلص من الواقع الشائه صورا نظرية، لما ينبغي أن يكون؛ فلا عجب إن رأينا المحاولات العملية نحو الإصلاح، معرضة لكثير من العشوائية في طريق سيرها، فنقيم اليوم ما نهدمه غدا، ثم ترانا بعد غد، قد عدنا إلى إقامة ما هدمناه، وهكذا.
لقد شهدت حياتنا «الفكرية» نشاطا ملحوظا في الهدم - هدم القديم الذي يراد له أن يزول - أكثر جدا مما شهدته من النشاط الإيجابي، الذي يصوغ الأسس النظرية لما هو مطلوب، فما زلت أذكر ضروب الفاعلية الفكرية التي سادت بيننا، خلال العقدين الثالث والرابع، أعني في العشرينيات والثلاثينيات، وهي الفترة التي امتدت من ثورة 1919م حتى قيام الحرب العالمية الثانية سنة 1939م، فقد كان هنالك أمام النشاط الفكري عدد ضخم من الأصنام، التي كان لا بد من تحطيمها وإزالتها، قبل أن نأخذ في إقامة أركان الحياة الجديدة؛ وضع سياسي كان لا بد له أن يتغير، فكرة الخلافة كان لا بد أن تنمحي، حتى لا يفكر الطامعون في نقل الخلافة إلى القاهرة، بعد أن أزالها مصطفى كمال من تركيا، تصور قديم للشعر، كان لا بد أن يستبدل به تصور جديد، تراثنا الأدبي القديم، كان لا بد أن يمحص ويراجع، فكرة التطور البيولوجي، كان لا بد أن يلهم بها الناس؛ ليتعلموا كيف يسبغون التغير الحتمي في بنية المجتمع، نسبتنا إلى الماضي، كان لا بد أن تتحدد لتتضح، فنعرف إلى أي الأسلاف ننتمي، وغير ذلك من الثورات الجارفة، في كل أوضاع الحياة الفكرية؛ ولذلك كنا جميعا نشم في الهواء رائحة الدخان المنبعث من المعارك الدائرة ، بين ما كان يسمى حينئذ بالجديد والقديم.
كنا في العشرينيات نهدم الأوثان الفكرية، ثم نبني التماثيل الجديدة للأفكار الجديدة، ولعلنا في ذلك كنا على نغمة واحدة، مع مجمل النشاط الفكري في أوروبا، إبان تلك الفترة نفسها، حيث كان القوم هناك في شغل، كذلك يزيلون الأقنعة عن الوجوه الشائهة، حاولوا أن يزيلوا عن الحياة الريفية شاعريتها الرومانسية المزعومة؛ لتتكشف أوجه الفقر والمرض المختفية، حاولوا أن يزيلوا عن الإنسان قشرة «العقل»؛ ليتبين كم هو في سلوكه مسير بغرائزه لا بعقله!
حاولوا أن يفكوا الروابط، التي اعتاد الناس إلى ذلك الحين، أن يروها قائمة بين أطراف الحياة، فلم يجدوا بين الغريزة الجنسية وقيام الأسرة علاقة ضرورية، تحتم ألا تكون تلك بغير هذه، حاولوا أن يكشفوا عن «العبث»، الذي يتسم به الوجود كله، حتى يزيلوا عن أعين الناس غشاوة الغايات النهائية المثلى، بل حاولوا هدم الجانب الدلالي من اللغة، فأخذوا عامدين يرصون اللفظ في غير معنى مفهوم؛ ليساير ذلك العبث باللغة، عبث الحياة نفسها، عندما قال الشاعر إليوت: إن شهر أبريل هو أقسى الشهور، أراد أن يفك الرابطة بين الربيع وتجدد الأمل، حاولوا ذلك كله هناك في أوروبا؛ لعلهم يمحون به أنقاض حياة تهدمت أركانها، لتقوم مكانها حياة تزدهر بالقيم الأعلى والأكرم.
فعلوا ذلك هناك، وفعلنا مثله عندنا، ولكننا بالطبع وجهنا فئوسنا، نحو ما أردنا هدمه من حياتنا، اللهم إلا نفرا من أصحاب الفكر الزائف، طفقوا يهدمون ما أراد مفكرو الغرب أن يهدموه، مع أنه ليس موجودا هنا، حتى وإن يكن موجودا هناك، فكم من كاتب عندنا، أخذ يدير قلمه حول فكرة «العبث» وفكرة «الاغتراب» وفكرة «الوجودية»، وهي أفكار كانت، وما تزال، محاور أساسية في الفكر الأوروبي؛ لأنها منبثقة من حياتهم، لكنها ما تزال واهنة الصلة بحياتنا؛ لأننا لم نتصنع بعد، ولم نتعلمن بعد إلى الدرجة التي قد توحي بالعبث، والغثيان والشعور بالاغتراب.
قام رجال الفكر عندنا - إذن - في العشرينيات والثلاثينيات بقسط كبير من الهدم، لكنهم لم يقوموا بقسط يماثله في الحجم تجاه البناء الإيجابي، وبعد فترة من الحيرة فيما بين الحرب العالمية وقيام الثورة سنة 1952م، تدفق نشاط جبار في ميادين التغيير الفعلي، فكأنما قفزنا من الطرف الأول إلى الطرف الثالث، بغير وقفة طويلة، كان لا بد أن يقفها رجال الفكر النظري بين الطرفين، كانت هذه الحلقة الوسطى المفقودة من واجب الجامعات، ومراكز البحوث ورجال الفكر بصفة عامة، والذي أزعمه هو أنها لم تجد من العناية، ما وجدته ميادين التعبير الأدبي، من جهة، وميادين النشاط الفعلي الثائر، والهادف إلى التغيير نحو ما هو أفضل، من جهة أخرى.
إن من يرفض أن يكون كالخرتيت - كما رفض ذلك بطل مسرحية أيونسكو - لا بد أن يتبع رفضه هذا، ببيان ماذا يريد أن يكون؟ إن رفض الواقع المريض أمر ضروري في ذاته، لكنه وحده لا يكفي؛ إذ يجب أن يسايره تصور واضح، لواقع صحي جديد، لكن مثل هذا التصور لا يضعه إلا رجل الفكر النظري، بجانبه الفلسفي والعملي، وهو ما أظنه مفقودا، أو شبه مفقود في حياتنا الثقافية الحاضرة.
أسئلة تنتظر الجواب
قرأت لكاتب قصصي معاصر - هو ريتشارد هيوز - عبارة تستحق النظر، يقول فيها ما معناه: إن الكتابة المعتمدة على خيال - ويقصد بها أدب القصة والمسرحية والشعر - من شأنها أن تثير أسئلة، دون أن تتورط في الإجابة عنها، وأما الكتابة غير المعتمدة على خيال - ويعني بها العروض الفكرية، التي يراعى فيه التسلسل المنطقي، من فكرة إلى فكرة أخرى - فهي التي تجيء بعدئذ؛ لتتولى الإجابة عن تلك الأسئلة المثارة.
وهو - فيما أرى - قول قد يصح بعد شيء من التعديل؛ إذ كثيرا ما يتداخل النوعان في كاتب واحد، أو على الأقل هكذا كانت الحال بالنسبة لكبار كتابنا، فهل نقول إن الكاتب الواحد منهم، كان يثير أسئلة ليتركها بغير إجابة، حين ينظم الشعر أو القصة أو المسرحية، ثم يعود بعدئذ إلى محاولة الإجابة عن أسئلته هو، أو أسئلة سواه؟ لست أظن أن خطوات السير قد جاءت على هذا التوالي الزمني، بل الأقرب إلى الصواب هو أن تلك الخطوات قد تداخلت حينا ، وتعاقبت حينا آخر، على هذا الوجه مرة، وعلى ذلك الوجه مرة أخرى، فإذا قلنا - مثلا - إن من الأسئلة الأساسية التي أثارها العقاد في شعره، سؤالا عن مدى حق الفرد في أن يستقل بذاته عن الجماعة، بحيث يتفرد بخصائص، لا ينخرط بها في المجموع المحيط به، فإن عرض هذا السؤال للبحث العقلي، قد جاء بعد ذلك على قلم العقاد نفسه، كما ورد على أقلام أخرى كثيرة؛ وإذن فها هنا جاء التعاقب على النحو الذي ذكره «هيوز» في عبارته التي أسلفناها، ولكننا من جهة أخرى قد نلحظ تعاقبا معكوسا؛ إذ نرى البحوث العقلية الكثيرة، التي دافع بها أصحابها عن وجوب انخراط الأفراد في سواد الجمهور - وكان ذلك في أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات - قد أعقبها أدب غزير من قصص ومسرحيات وشعر، جاء ليعزف على هذه النغمة نفسها، وفي مثل هذه الحالة يكون الجواب قد سبق السؤال، على أن الجانبين تداخلا عند توفيق الحكيم، فهو وإن يكن كثير الأسئلة قليل الأجوبة «بمعنى أنه أكثر إنتاجا في الأدب المعتمد على الخيال، منه في الكتابة المعتمدة على تحليلات المنطق العقلي.» إلا أن الجانبين عنده قد تضافرا وتداخل أحدهما في الآخر.
Halaman tidak diketahui