ويجب ألا يعد هذا الفصل الذي ندرس فيه آداب الهند إلا لمحة إلى أهم ما هو معروف منها، فعلى القارئ الذي يريد أن يكون على علم واسع في هذا المضمار أن يرجع إلى الكتب التي نشرنا مختارات منها في هذا السفر، والتي ترجم الشيء الكثير منها إلى الفرنسية والإنجليزية، والقارئ إذا لم يكن عالما بآثار الهند، أي إذا لم يكن من المعجبين بكل ما يصدر عن السنسكرت إعجابا تقليديا فإنه لا ينظر حمسا إلى الآداب الهندوسية، وهو يصل مثلنا، لا ريب، إلى النتيجة القائلة إن هذه الآداب إذ كانت تلائم أدمغة الهندوس وكانت تقضي بإعجابهم الموروث منذ قرون فإنها ليست مما يقرؤه الأوربيون بشغف؛ لعدم ارتباطها وانسجامها، ولما فيها من المبالغة والإسهاب الممل، ولبعدها من المنطق.
وسنقتصر في المطالب الآتية على تحليل أشهر آثار الهند الأدبية بإيجاز وعلى مقتطفات قصيرة منها.
ولكي نجلو موضوعا ذلك مدى اتساعه جلاء نسبيا رأينا أن نجعل عناوين تلك المطالب ما يأتي: النشائد والأشعار الدينية، القصائد الحماسية، الأمثال والأساطير، التمثيل، آثار أدبية مختلفة. (2) النشائد والأشعار الدينية
إذا عدوت القصائد الحماسية الكبرى التي ندرسها في مطلب آخر رأيت الأدب الويدي الصحيح يتألف من أناشيد ورسائل دينية تعرف بالويدا.
وقد أتيح لنا فيما تقدم أن نتكلم مطولا عن النشائد الويدية، وأن نستشهد بكثير منها، وأن نشير إلى مناحيها العامة، فعلى ما لا مراء فيه من جمال القليل منها نوافق العلامة كولبروك على رأيه القائل: «إن ما تشتمل عليه كتب الويدا لا يستحق أن يقرأ ولا أن يترجم.» والعلامة كولبروك هذا تلقى من براهمة بنارس علم الويدا فكان من الصبر ما قرأها كلها معه، وهو الذي سر، مع ذلك، من معرفة أوروبا لها لما اشتملت عليه من المعارف ذات القيمة في تاريخ الحضارة كما ذكرنا، فهذه الكتب هي الوثائق الوحيدة التي آلت إلينا من عصر يظل أمره مجهولا بدونها لا ريب، وهذا مع إمكان جمع جميع المختارات المفيدة التي تقتطف من كتب الويدا في بضع صفحات.
شكل 1-2: تانجور. دقائق نقوش في الزون السابق «القرن الحادي عشر من الميلاد.»
ولا تتألف الآداب الويدية من الرغ ويدا وحدها، بل تشتمل أيضا على نشائد وأحكام وعهود، ومما قلناه إن هذه الآداب نضجت مقدارا فمقدارا، وإن من السخف أن يسير الباحث على غرار بعض المؤلفين فينشد فيها «انبساط القلب وصفو الطبيعة وسعيا وراء المثل الأعلى.»
وبدئ بوضع كتب الويدا قبل ظهور المسيح بألف سنة، ولم تفتأ تصحح في أكثر من ستة قرون، وكانت قبل تدوينها، كدائرة معارف مشتركة، ينقحها الناشرون ويكملونها في كل استنساخ مستعينين بمساعدين جدد.
وتجد في الآداب الويدية أثرا لهذا النشوء البطيء، ولا تجد الأجزاء التي تتألف منها متجانسة في مجموعها، وهنالك بعد بين شعر بعض النشائد وأمثال السوترا الموجزة التي ذكر واضعوها لا ريب قول كاتب هندوسي: «إن للمؤلف أن يسر إذا ما اختصر بمقدار النصف حرف علة قصير كما لو رأى نفسه قد ولد صبيا.» والهندوس يسيئون استعمال هذه القاعدة قليلا، مع ذلك، لا من حيث الاختصار، بل من حيث الغلو في الإسهاب الذي فيه عيبهم.
ويعد ما في الرغ ويدا من ألوف الأدعية أهم أقسام الويدا من الوجهة الأدبية ، ونصف ما في الرغ ويدا خاص بإله السماء إندرا وبإله النار أغني، ونصفه الآخر خاص بالآلهة الأخرى: الشمس والطبيعة والسحب، إلخ، وفي هذا الكتاب استشهدت ببعض مقتطفات منها، والآن أذكر أهمها مكررا قولي: إن قيمة تلك الآثار الأدبية العظيمة لا تقدر بمثل هذه المختارات، ولا أقتصر على ما تيسر من الويدا وحدها بل أضيف إليه أنشودة برهما للشاعر كالي داسا الذي يظن أنه عاش في القرن السادس من الميلاد وأنشودة سنسكرتية اقتطفناهما من مخطوطات نيبال البدهية التي نشرها مستر هوغسن، ولم تترجم هذه الأخيرة إلى الفرنسية بعد، وتجد فيها روعة التوراة التي تندر في المدونات البدهية المطولة على العموم والتافهة على الخصوص.
Halaman tidak diketahui