وشرع محمد، منذ وصوله إلى المدينة، ينظم شؤون دينه، وأخذ القرآن، الذي كان في دور التكوين، يكتمل بفضل تواتر نزول الوحي على محمد في جميع الأحوال الصعبة خلا مبادئه الأساسية التي كانت قد عرضت.
ووضعت شعائر الإسلام بالتعاقب، فسن الأذان لدعوة المؤمنين إلى الصلوات الخمس، وفرض صوم شهر رمضان، أي الامتناع عن الطعام من الفجر إلى غروب الشمس شهرا كاملا، وفرضت الزكاة التي يعين المسلم بها الدين الذي أقيم.
وصار محمد، بعد وصوله إلى المدينة، يقود الغزوات بنفسه، أو بواسطة أحد أصحابه، وغزوة بدر التي وقعت في السنة الثانية من الهجرة هي أولى الغزوات المهمة؛ ففيها هزم جنود محمد، الذين لم يزيدوا على 314 مقاتلا، والذين لم يكن بينهم سوى ثلاثة فرسان، أعداءهم الذين كانوا ألفي مقاتل، فكانت هزيمة أعداء النبي التامة في بدر فاتحة شهرته الحربية.
وتوالت الوقائع بين محمد وجيرانه، وكانت كل مصيبة تصيبه يعقبها انتصار له في الغالب، وكان يبدو رابط الجأش إذا ما هزم، ومعتدلا إذا ما نصر، وهو لم يقس على أعدائه إلا مرة واحدة حين أمر بأن تضرب رقاب سبعمائة معتقل يهودي خانوه.
وعظم شأن محمد في عدة سنين، وأصبح لا بد له من فتح مكة حتى يعم نفوذه، ورأى أن يفاوض قبل امتشاق الحسام وصولا إلى هذا الغرض، فجاء إلى هذا البلد المقدس ومعه 1400 من أصحابه، ولم يكتب له دخوله، وقد دهش رسل قريش من تعظيم أصحابه له، فقال أحدهم: «إني جئت كسرى وقيصر في ملكهما فوالله ما رأيت ملكا في قومه مثل محمد في أصحابه ...»
ورأى محمد بعد ذلك الإخفاق أن يروح أصحابه، فخف بهم إلى مدينة خيبر المحصنة المهمة الواقعة في شمال المدينة الغربي، والبعيدة منها مسيرة خمسة أيام، والتي كانت تقطن فيها قبائل يهودية، والتي كانت مقر تجارة اليهود، ففتحها عنوة، وشعر محمد بدنو أجله بعد خيبر، وذلك أن زينب اليهودية أهدت إليه شاة مسمومة، فأخذ منها قطعة ولاكها، ثم لفظها بعد أن ذاق طعما غريبا فيها، وقال: «تخبرني هذه الشاة أنها مسمومة»، ثم دعا بزينب الإسرائيلية فاعترفت اعترافا دقيقا، ونجت من العقاب حين قالت: «لقد بلغت من قومي ما لم يخف عليك، فقلت: إن كان ملكا استرحت منه، وإن كان نبيا فسيخبر»، ولم تزل أكلة خيبر تعاوده مع حماية الله له، فتوفي بتأثيرها بعد ثلاث سنين كما روى المؤرخون.
شكل 1-2: مخيم حجاج بالقرب من المدينة (من صورة فوتوغرافية).
ولما أحس محمد نمو سلطانه عزم على فتح مكة، وألف جيشا من عشرة آلاف محارب، أي ألف جيشا لم يسبق أن جمع مثله، وبلغ محمد أسوار مكة، وفتحها به من غير قتال، وذلك بقوة ما تم له من النفوذ.
وعامل محمد قريشا، الذين ظلوا أعداء أشداء له عشرين سنة، بلطف وحلم، وأنقذهم من سورة أصحابه بمشقة، مكتفيا بمسح صور الكعبة وتطهيرها من الأصنام (ال 360) التي أمر بكبها على وجوهها وظهورها، وبجعل الكعبة معبدا إسلاميا، وما انفك هذا المعبد يكون بيت الإسلام.
ودخل أكثر القبائل المجاورة في الدين الإسلامي على أثر فتح مكة، وحاولت بعض القبائل أن تقاوم، فهزمت شر هزيمة.
Halaman tidak diketahui