وحدث أن جاء لزيارة بيت المقدس جندي قديم كان قد ترهب بعد أن طرأ على حياته الروحية ما كدر صفوه، وكان اسم هذا المجذوب المتعصب النشيط بطرس، فأضاف التاريخ إلى اسمه لقب «الناسك».
واشتاط بطرس الناسك غيظا من سوء ما عومل به في فلسطين، وغاص بطرس الناسك في بحر من الأحلام فرأى أنه مرسل لدعوة أوربة إلى إنجاد الأرض المقدسة.
وملكت هذه الأوهام مشاعره فتوجه إلى رومة ليستعين بالبابا، فأذن له الباب أوربان الثاني في دعوة النصارى إلى إنقاذ الأماكن المقدسة، فصار يجوب بلاد إيطالية وفرنسة، ويلقي الخطب النارية ممزوجة بالبكاء والعويل وصب اللعنات على الكافرين، وبوعد الرب للذين يزحفون لإنقاذ قبر المسيح بالمغفرة، وتؤثر فصاحته التمثيلية الخيالية في قلوب الجموع، ويعده الناس نبيا في كل مكان.
ولم تكن الجموع التي ألهبها بطرس الناسك لتستطيع عمل شيء وحدها، وإنما حدث ما حفز السنيورات الذين كانوا سادة للجموع إلى دعم تلك الحركة، وذلك أن قيصر الروم، ألكسيس كومنين، الذي كانت دولته تخسر كل يوم قطعة من أملاكها، استغاث بالبابا وملوك أوربة حينما حاصر الترك القسطنطينية، فأقام ذلك العالم النصراني وأقعده بالإضافة إلى مواعظ بطرس الناسك.
ورأى البابا أن يشجع تلك الحركة، فعقد في إيطالية مؤتمرا دينيا لم يسفر عن نتيجة، ثم عقد في سنة 1095م مؤتمرا ثانيا في كليرمون بأوڨرن، وحضر بطرس الناسك هذا المؤتمر الأخير، وتحالف المؤتمرون، تلبية لدعوته الصارمة وترديد الجموع الهائجة لكلمة: «الرب يريد ذلك!» على الزحف إلى فلسطين لإنقاذ قبر الرب ملصقين الصلبان على أكتافهم، وأجمع المؤتمرون على أن يبدأ بالزحف في عيد انتقال العذراء من السنة القادمة حتى يجمع أولياء الأمور جيشا كبيرا قادرا على القيام بذلك. (2) خلاصة الحروب الصليبية
نشأ عن عزم القوم على غزو فلسطين اشتعال النفوس حمية، وصار كل واحد يرجو إصلاح حاله، فضلا عما يناله في ملكوت السماوات، فغدا العبيد يطمعون في فك رقابهم، وغدا أبناء الأسر الذين حرموا الميراث بسبب نظام البكرية والسنيورات الذين كانت قسمتهم ضئزى
1
يطمعون في الاغتناء، وغدا الرهبان الذين أضنتهم حياة الأديار وجميع المحرومين طيب العيش، وكان عددهم كبيرا يعللون أنفسهم بأطيب الأماني.
حقا لقد أصاب القوم نوبة حادة من الجنون، فرغب السنيورات والعبيد والرهبان والنساء والأولاد وجميع الناس في الزحف، وأخذ كل امرئ يبيع ما يملك ليتجهز، واستعد من الرجال 130000 مقاتل لغزو فلسطين حالا.
شكل 8-2: قسم من أسوار القدس (من صورة فوتوغرافية التقطها المؤلف).
Halaman tidak diketahui