135

Tamadun Arab

حضارة العرب

Genre-genre

نعتمد في وصف قصر الأمير الرائع الذي لم يكن له نظير في زماننا على ما قصه أولئك السفراء الذين زاروه فرأوا فيه ما ليس في غيره من الجلال والنضارة والعظمة، فقد وصل أولئك السفراء، بعد أن مروا من مسالك وقاعات كثيرة، إلى أروقة النزهة، والرياضة ذات العماد المرمرية، والسقوف الذهبية الدقيقة الصنعة والبلاط الزاهي الألوان، وبهرهم جمال ما رأوا فبهتوا، ولم تشبع عيونهم من النظر إلى تلك البدائع التي لم تكن لتخطر على قلوبهم، ومما شاهدوه: حياض السمك الرخامية، وأنواع الطيور المغردة الملونة البراقة التي لم يسبق لنا علم بها، ثم طاف الخصيان بهم في غرف تفوق ما تقدم حسنا ورواء، ومما رأوا هنالك أنواع ذات القوائم الأربع العجيبة، التي لا يقدر على تصويرها سوى ريشة رسام تابع لهواه أو شاعر متحلل أو من يسبح روحه في أحلام الليل ، والتي تنتجها بلاد الجنوب والشرق لا بلاد الغرب التي لا تراها، والتي قلما تسمع عنها شيئا.

ويمكن تصور ما كان عليه الخلفاء الفاطميون من الثراء عند النظر إلى قائمة الأموال التي روى المؤرخ المقريزي أن الخليفة المستنصر (427ه / 1037م) اضطر إلى بيعها؛ إرضاء لأولئك المرتزقة الذين تكلمنا عنهم آنفا، وقلنا: إنهم استبدوا بالملك تقريبا، ولا يطعن في صحة رواية المقريزي الذي استند إلى محضر وكيل الوزير ناصر الدولة، فالمرء حين يقرأها يرى أن ثروات العالم التقت وتكدست في مصر منذ قرون كثيرة؛ لكي تنثر على أحط الجنود في آخر الأمر كما قال مسيو مارسيل.

قال مسيو مارسيل نقلا عن المقريزي:

ذكر في تلك القائمة العجيبة ما لا حصر له من أمداد

9

الزمرد والياقوت واللآلئ والمرجان، وما إلى ذلك من الحجارة الكريمة ، وذكر فيها 18000 من آنية البلور، ثمن بعضها ألف دينار (15000 فرنك)، و36000 قطعة أخرى من البلور، وبساط من الذهب وزنه 54 أوقية، وأربعمائة قفص كبير من الذهب، و22000 حلية من العنبر، وعمامة مرصعة بالجواهر قيمتها 13000 دينار (1950000 فرنك) وديوك وطواويس وغزلان ذات حجم طبيعي مصنوعة من الذهب ومرصعة باللآلئ والياقوت، وموائد مصنوعة من اليصب كبيرة يستطيع أن يجلس حولها آكلون كثيرون معا، ونخلة من الذهب في صوان من الذهب، وثمار وأزهار ذات حجم طبيعي من اللؤلؤ والياقوت، وحديقة ذات تراب من الفضة المذهبة، وأرض من العنبر، وأشجار من الفضة وثمرات من الذهب والحجارة الكريمة، وخيمة مصنوعة من المخمل والديباج الموشى بالذهب، دائرتها خمسمائة ذراع (625 قدم) وارتفاعها 64 ذراعا (90 قدما) وبسطها تعدل حمل مائة بعير، وخيمة أخرى مصنوعة من الإبريز قائمة على أعمدة من الفضة، وأخبية وزنها ثلاثة قناطير، وألفان من الزرابي المزخرفة بالذهب ثمن إحداها 22000 دينار (330000 فرنك) وثمن أقلها ألف دينار (15000 فرنك)، وخمسون ألف قطعة من النسائج الحريرية الموشاة بالذهب ... إلخ.

وذلك إلى أن أمين بيت المال ابن عبد العزيز ذكر في قائمته أكثر من مائة ألف سلعة ثمينة ومئتي ألف قطعة من السلاح سلمت أمامه.

شكل 4-12: شارع في القاهرة (من صورة فوتوغرافية).

ويسأل الإنسان، عندما يعلم مقدار تلك الثروات: من أين أتت؟ ومن أي ينبوع كان الخلفاء يأخذون دخلهم الذي استطاعوا أن يجمعوا من الكنوز ما لا يملك مثله أي واحد من ملوك الزمن الحاضر؟

كانت ثروة الخلفاء الفاطميين تستند إلى مصدرين مختلفين: الحاصلات الزراعية والأعمال التجارية، والواقع أن مصر كانت مستودعا للتجارة بين أوربة والهند وجزيرة العرب، وأن جميع سلع الشرق كانت تمر، مضطرة، من طريق الإسكندرية إلى الغرب.

Halaman tidak diketahui