Peradaban Arab di Andalusia
حضارة العرب في الأندلس: رسائل تاريخية في قالب خيالي بديع
Genre-genre
هذا ويسمي الأهالي عندنا أحد البركانين الموجودين في هاتين الجزيرتين «بركانا»، ويسمون الآخر «استنبري»، ومعنى بركان «استنبري» فيما علمت الرعد والبرق.
119
وقد لاحظت أن معادن الكبريت الأصفر لا توجد في الأعم الأغلب إلا بجانب البراكين؛ ففي هاتين الجزيرتين معدن كبريت لا يوجد مثله بموضع آخر، رأيته ورأيت القطاع الذين يقتطعونه؛ رأيتهم وقد تمرطت شعورهم ونصلت أظفارهم من حره ويبسه، وهم يذكرون أنهم يجدونه في بعض الأيام سائلا متميعا فيتخذون له في الأرض مواضع يجتمع فيها، ثم يجدونه في غير ذلك الأوان قد تحجر فيقطعونه بالمعاول، وكذلك ترى بجانب جبل النار الذي في الجزيرة نفسها آبار زيت النفط، الذي لا يخرج منها إلا في وقت معلوم من السنة - في شهر شباط وشهرين بعده - فتراهم في ذلك الوقت ينزلون في هذه الآبار على درك، ويخمر الرجل الذي ينزل فيه رأسه، ويسد مسام أنفه (منخريه)، وإن تنفس في أسفل البئر هلك لساعته، وما يستخرجونه من هذا الزيت يضعونه في أوان، فيعلو الدهن منه وهو المستعمل، وذلك كله مما يدل على طبيعة هذه الأرض الغريبة الشأن. ولله في خلقه شئون سبحانه مالك الملك لا إله غيره.
مدينة بلرم: حضرة جزيرة صقلية ولقائي أميرها أبا الحسين أحمد
كان وصولنا إلى مدينة بلرم بعد انفصالنا من مدينة مسيني بيومين كاملين، وكان تعريجنا عليها دون قصد منا إليه؛ إذ كانت الريح غير موافقة في ذلك اليوم، وهو يوم الأحد الخامس عشر من شهر جونيو الرومي، سنة ست وخمسين وتسعمائة من مولد السيد المسيح، فاضطررنا أن نقيم في هذه المدينة ريث أن تأتي الريح الموافقة. ولقد اهتبلت هذه الفرصة فجلت في المدينة جولة وقفت فيها على أشياء كان لا بد من اجتلائها، وقد أسعدني الحظ فقابلت أميرها من قبل المعز لدين الله الفاطمي أبا الحسين أحمد بن أبي الحسن الكلبي، وجرى بيني وبينه حديث، سأذكره لك بعد أن آتي على وصف هذه المدينة - إن شاء الله.
مدينة بلرم هي حضرة جزيرة صقلية؛ ففيها يقيم الوالي الذي يوليه الفاطمي، وفيها قاضي القضاة، وديوان الحسبة، ودار الصناعة، وفي مينائها يربض أسطولها الأعظم ، ومنها يغدو ويروح مختالا على ثبج هذا البحر، فيغزو ما شاء أن يغزو من جزائره وعدوته الشمالية «جنوب أوروبا»، وهي لذلك كله وبفضل ما أحدثه المسلمون فيها من ضروب العمران تراها من أجمل المدن وأفخمها؛ فهي بهذه الجزيرة أم الحضارة، والجامعة بين الحسنين غضارة ونضارة، فما شئت فيها من جمال مخبر ومنظر، ومراد عيش يانع أخضر تطلع لك بمرأى فتان، وتتخايل بين ساحات وبسائط كلها بستان، فسيحة السكك والشوارع، تروق الأبصار بحسن منظرها البارع، مبانيها كلها بمنحوت الحجر المعروف بالكذان،
120
يشقها نهر ينساب فيها مثل الحية المذعور أو السيف المشهور، ويطرد في جنباتها أربع عيون زاخرة عليها أرحاء كثيرة لا تحصى.
بلد أعارته الحمامة طوقها
وكساه حلة ريشة الطاوس
Halaman tidak diketahui