واشترى رجل من أهل الكوفة جبنة لعياله، وقال: يكفيكم أن تمسحوا خبزكم بها، فما زال كذلك حتى ضجروا منه، وتمنوا موته، فمات، وورثه ابنه فقال: إن أبي كان مسرفًا في ماله، فجعلها في جراب وعلقها، وقال: تكفيكم رائحتها، والإيماء إليها، فترحموا على الميت.
وقال بعضهم: كنت بالكوفة أبيع اللحم، فوقف علي رجل حسن الهيئة مليح المنظر، فحسر عن ذراعيه، وجعل يلطم اللحم بباطن كفه، ثم يمشي إلى غيري فيفعل مثل ذلك أيامًا، فسألت عنه، فقيل لي: هذا دأبه، فإذا صار إلى داره غسل يده، وصنع بذلك الماء ثريدًا.
وقال بعضهم: قلت مرة لرجل غني من أهل الكوفة، إنك لكثير المال، وقميصك وسخ، فلم لا تغسله؟ فقال لي: والله إني فكرت في غسله منذ ستة أشهر، ولكني أغسله إن شاء الله.
وكان لرجل من أهل الكوفة أم عجوز، وكان كثير المال، فقيل لها: كم يجري عليك ابنك؟ قالت: درهمًا في كل أضحى.
وخرج نفر من أهل الكوفة في سفر، واتفقوا على أن يخرج لكل واحد منهم جعلًا للسراج، فأخرجوا، وامتنع واحد منهم، فكانوا إذا أوقدوا المصباح سدوا عينيه إلى وقت النوم، فإذا أطفأوا السراج خلوا عنه.
واصطحب منهم اثنان في سفر، فقال أحدهما للآخر: تعال نأكل، فقال له: معي رغيف، ومعك رغيف، فلولا أنك تريد أكثر، ما قلت لي: تعال نأكل جميعًا، وإلا فكل وحدك، وأنا وحدي.
ودخل طفيلي على قوم فقالوا: ما الذي جاء بك؟ فقال: إذا لم تدعوني أنتم، ولم آت أنا، وقعت بيننا وحشة، فضحكوا منه، وأكل معهم.
ودخل ابن مضاء على بعض الأمراء، فقال له: أي شيء خبرك يا ابن مضاء؟ قال: أعز الله الأمير، وأي شيء يكون خبري، والخرا عند الناس أكرم مني أفضل؟ قال: وكيف ذلك؟ قال: لأن الخرا يحمل على الحمير، وأنا أمشي راجلًا، فضحك الأمير، وأمر له ببغلة يركبها.
وقال العتبي: كان بالمدينة مؤنث يدل على النساء يكنى أبا الحر، فقلت له: دلني على امرأة أتزوجها، فدلني على عدة نساء، فلم أرض منهن واحدة، فقال: والله يا مولاي، لأدلنك على امرأة لم تر مثلها قط، فإن لم ترضها فاحلق لحيتي، قال: فدلني على امرأة، فلما زفت إلي وجدتها أكثر مما وصف، فلما كان في السحر، إذا إنسان يدق الباب، فقلت: من هذا؟ قال: أبو الحر، وهذا الحجام معي، فقلت: قد وقى الله شعرك أبا الحر، الأمر كما قلت.
ودخل رجل على ثمامة بن أشرس وبين يديه طبق بفراريج، فغطى الطبق بذيله، وأدخل رأسه في جيبه، وقال للرجل الداخل: كن أنت في البيت الآخر، حتى أفرغ من بخوري.
وقال بعضهم: دخلت على يحيى بن عبيد الله، وقوم يأكلوه عنده، فمد يده إلى رغيف، فرفعه من المائدة، وجعل يرطله بيده، ويقول: يزعمون أن خبزي صغير فمن هذا الزاني ابن الزانية، الذي يأكل منه نصف رغيف؟ وقال: دخلت عليه مرة أخرى، والمائدة موضوعة، والقوم قد أكلوا، ورفعوا أيديهم، فمددت يدي لآكل، فقال: أجهز على الجرحى ولا تتعرض للأصحا، يقول: عليك بالدجاجة التي قد نيل منها، والفرخ المنزوع الفخذ، وأما الصحيح فلا تتعرض له.
وقال الأصمعي: كان المروزي يقول لزواره: هل تغديتم اليوم؟ فإن قالوا: نعم، قال: والله لولا أنكم تغديتم لأطعمتكم لونًا ما أكلتم مثله قط، ولكنه قد ذهب أول الطعام بشهوتكم، وإن قالوا: لا، قال: والله لولا أنكم لم تتغدوا لأسقيتكم خمسة أقدام من نبيذ الزبيب ما شربتم مثله، فلا يصير في أيديهم من الوجهين قليل ولا كثير.
وكان ثمامة بن أشرس، إذا دخل عليه أصحابه، وقد تعشوا عنده سألهم: كيف كان بيتهم ومنامهم، فإن قال أحدهم: إنه نام ليلة فيه هدو وسكون، قال: النفس إذا أخذت قوتها اطمأنت، وإن قال: إنه لم ينم، قال: إفراط الشبع والسرف في البطنة، ثم يقول لهم: كيف كان شربكم، فإن قال أحدهم: كثيرًا، قال: التراب الكثير لا يبله إلا الماء الكثير، وإن قال: قليلًا، قال: ما تركت للماء مدخلًا.
1 / 36