وأسمع رجل عمر بن عبد العزيز بعض ما يكره، فقال: لا عليك، إنما أردت أن يستفزني الشيطان بعز السلطان، فأنال منك اليوم ما تناله مني غدًا، انصرف إن شئت.
وقيل لقيس بن عاصم: بم سودك قومك، قال: بكف الأذى عنهم، وبذل الندى، ونصر المولى.
ونظر رجل إلى معاوية بن أبي سفيان، وهو غلام صغير - فقال: إني أظن هذا الغلام يسود قومه، فسمعته أمه هند، فقالت: ثكلته إن لم يسد غير قومه.
ودخل ضمرة بن ضمرة على النعمان بن المنذر، وكان قبيح المنظر، فالتفت الناس إلى أصحابه، وقال: تسمع بالمعيدي خير من أن تراه، فقال: أيها الملك؛ إنما المرء بأصغريه: قلبه ولسانه، إن قال قال ببيان، وإن صال صال بجنان، قال: صدقت، وبحق سودك قومك.
وقيل لعرابة الأوسي: بم سودك قومك؟ قال: بأربع خصال: أنخدع لهم في مالي، وأذل منهم في عرضي، ولا أحقر صغيرهم، ولا أحسد كبيرهم.
وجاء رجل إلى عمر بن الخطاب ﵁ فقال له: ما اسمك؟ قال: شهاب بن حرقة. قال: ممن؟ قال: من أهل حرة النار، قال: وأين مسكنك منها؟ قال: بذات لظى، قال: أدرك أهلك فقد احترقوا، فكان كما قال عمر ﵁.
وكان أشعب الطماع يختلف إلى قينة بالمدينة، فلما أراد الخروج سألها إن تعطيه خاتم ذهب في يدها ليذكرها به، فقالت له: إنه ذهبت وأخاف أن تذهب، ولكن خذ هذا العود، لعلك أن تعود، وناولته عودًا من الأرض.
وقال رجل لخالد بن صفوان: إني أحبك، قال: وما يمنعك من ذلك؟ ولست بجار لك ولا أخ ولا ابن عم، يريد أن الحسد موكل بالأدنى فالأدنى.
ومر محمد بن سيرين بقوم، فقام إليه رجل منهم، فقال: أبا بكر، إنا قد نلنا منك فحللنا، فقال: إني لا أحل ما حرم الله.
وكان رقبة بن مصقلة جالسًا مع أصحابه، فذكروا رجلًا بشيء، فطلع ذلك الرجل، فقال له بعض أصحبه: ألا أخبره بما قلنا فيه لئلا يكون غيبة؟ قال: أخبره، حتى يكون غيمة.
وقيل لبعض الحكماء: فلان يعيبك، فقال: إنما يقرض الدرهم الوازن.
وصلى الأعمى في مسجد قوم فأطال بهم الإمام. فقال له الأعمش: يا هذا لا تطل صلاتنا، فإنه يكون ذو الحاجة والكبير والضعيف، قال الإمام: (وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين) قال الأعمش: أنا رسول رأس الخاشعين إليك، إنهم لا يحتاجون إلى هذا منك.
ولقي جهم رجلًا من اليونانيين، فقال له: هل لك أن تكلمني وأكلمك فمن أسرته الحجة رجع إلى قول صاحبه، قال: نعم، قال اليوناني: أخبرني عن معبودك، أرأيته؟ قال: أسمعته؟ قال: لا قال: أفلمسته؟ قال: لا، قال: أفشممته؟ قال: لا، قال: فمن أين عرفته وأنت لم تدركه بحاسة من حواسك الخمس؟ وإنما عقلك دائر عليها، فلا يدرك إلا ما أدت إليه من جميع المعلومات، فتلجلج جهم ساعة ثم استدرك فعكس عليه مسألته، فقال له: أتقر أن لك روحًا؟ قال: نعم، قال: هل رأيت روحك أو سمعته أو لمسته أو شممته أو دنته؟ قال: لا، قال: وكيف علمت روحك؟ فأقر له اليوناني.
ورفع ساق إلى حاكم، فأمر بضربه، فقال: كم تضربني؟ فقال له: بالحضرة تكون، وعد لنفسك.
وقيل لأعرابي: ما لك من الولد؟ قال: قليل خبيث، يريد لا أقل من واحد، ولا أخبث من أنثى.
واشترى رجل غلامًا، فقال له البائع: فيه عيب، قال: وما هو؟ قال: يبول في الفراش، قال: ليس هذا عندي عيبًا، إن وجد فراشًا، دعه يبول ويسلح.
وقال رجل لطفل: ابن كم أنت؟ قال: ابن رجل واحد، قال: إنما سألتك عن عمرك، فقال: فقل كم عمرك؟ فقال له كذلك، قال: ثمانية أعوام، قال: أحية أمك؟ قال: ما هي بحية ولا عقرب، ولكنها امرأة، فقال: فكيف أقول؟ فقال له: قل: أفي الأحياء أمك؟ فقال له كذلك، فقال له: نعم.
ودخل رجل ببنت بكر، فوجدها مسنة، فعابها بكبر سنها، فقالت له: لا تلم إلا نفسك؛ إنك تركتني حتى كبر سني.
واشتكى طفل بآخر إلى مؤدب، فقال له: إنه يشتمني في قلبه، قال له المؤدب: حكه أنت تحتك.
ووقف رجل على طباخ، فأكل خبزه برائحة القدر، فدعاه إلى الحاكم وعرفه بفعله، فقال له الحاكم: اضرب بدرهم على رخامته، يأخذ طنينه ورد إليك درهمك.
وخطر حاكم بالليل، وهو يطوف بالمدينة على سارق ينقب دارًا فقال له: ما هذا؟ قال: مات لنا ميت، وأنا أحفر له من أين يخرج، فقال له الحاكم: وأين أمارة الموت؟ البكاء والصراخ؟ قال: آخر الليل تسمع النياح.
1 / 16