ودخل أبو النصر سالم مولى عمر بن عبد الله على عامل للخليفة فقال له: يا أبا النصر، إنه تأتينا كتب من عند الخليفة فيها وفيها ولا نجد بدًا من إنقاذها، فقال له أبو النصر: قد أتاك كتاب من عند الله قبل كتاب الخليفة، فأيهما اتبعت كنت من أهله.
ودخل الزهري على الوليد بن عبد الملك فقال: ما حديث يحدثني به أهل الشام قال: وما هو يا أمير المؤمنين؟ قال: يحدثوننا أن الله إذا استرعى عبدًا رعيته كتبت له الحسنات، ولم تكتب عليه السيئات، قال: باطل يا أمير المؤمنين، أبني خليفة أكرم على الله أم خليفة غير بني؟ قال: بل بني خليفة، قال: فإن الله يقول لنبيه داود ﵇: (يا داود إنا جعلنك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله إن الذين يضلون عن سبيل الله لهم عذاب شديد بما نسوا يوم الحساب) . فهذا يا أمير المؤمنين وعده لبني خليفة، فما ظنك بخليفة غير بني؟ قال: أن الناس ليفروننا عن ديننا.
وقعد معاوية بالكوفة يبايع الناس على البراءة من علي بن أبي طالب ﵁، فقال له رجل: يا أمير المؤمنين نطيع أحياءكم، ولا نبرأ من موتاكم، فالتفت معاوية إلى المغيرة، وقال: هذا رجل فاستوحي به خيرًا.
وقال الأصمعي: لما مات يزيد بن معاوية، وصارت الخلافة إلى هشام بن عبد الملك خر أصحابه سجودًا إلا الأبرش الكلبي، قال: ما منعك أن تسجد كما سجدوا؟ قال: لماذا يا أمير المؤمنين لأنك ذهبت عنا؟ قال: فإن ذهبت بك معي، قال: وتفعل يا أمير المؤمنين؟ قال: نعم، قال: الآن طاب السجود.
وكان سعيد بن عتبة بن حصين، إذا حضر باب السلاطين جلس جانبًان فقيل له: إنك لتباعد الإذن جهدك، قال: لأن أدعى من بعيد خير من أن أقصى من قريب، ثم قال:
رأيت أناسًا يسرعون تبادرًا ... إذا فتح البواب بابك إصبعا
ونحن سكوت جالسون رزانة ... وحلمًا إلى أن يفتح الباب أجمعا
ونظر رجل إلى روح بن حاتم واقفًا في الشمس عند باب المنصور فقال: لقد طال من وقوفك في الشمس، فقال: ليطول جلوسي في الظل.
ووقف أبو سفيان بباب عثمان بن عفان ﵁، وقد اشتغل ببعض مصلحة المسلمين، فحجبه، فقال له رجل وأراد أن يغريه يا أبا سفيان، ما كنت أرى أن تقف بباب مضري فيحجبك، فقال أبو سفيان: لا عدمت من قوي من أقف ببابه فيحجبني.
وقال الشعبي: كنت جالسًا عند القاضي شريح، إذ دخلت عليه امرأة تشتكي زوجها، وهو غائب، وتبكي بكاء شديدًا، فقلت: أصلحك الله ما أراها إلا مظلمة، فقال: وما علمك؟ قال: لبكائها، قال: لا تفعل فإن إخوة يوسف (وجاءوا أباهم عشاء يبكون)، وهم ظالمون.
وكان الحسن بن أبي الحسن لا يرى أن ترد شهادة مسلم إلا أن يجرحه المشهود عليه، فأقبل إليه رجل، فقال: يا أبا سعيد إن إياسًا رد شهادتي، فقام معه الحسن إليه، فقال: أبا واتلة: لم رددت شهادة هذا المسلم، وقد قال رسول الله ﷺ: من صلى قبلتنا فهو مسلم، له ما لنا وعليه ما علينا، قال: يا أبا سعيد إن الله يقول: (ممن ترضون من الشهداء) وهذا ممن لا نرضاه.
وأقبل وكيع صاحب خراسان يشهد عند إياس بشهادة، فقال له: مرحبًا وأهلًا بأبي المطرف، وأجلسه معه، ثم قال له: ما جاء بك؟ قال: جئت لأشهد لفلان، قال: مالك وللشهادة؟ إنما يشهد الموالي والتجار والسوقة، قال: صدقت، وانصرف من عنده، فقيل له: خدعك، إنه لا يقبل شهادتك، قال: لو علمت ذلك لعلوته بالقضيب.
وقيل للقاضي شريح: أيهما أطيب الجوزنيق أو اللوزنيق؟ قال: لا أحكم على غائب.
1 / 11