Guidance and Signs on the Briefest Compendiums
الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات
Penerbit
دار ركائز للنشر والتوزيع - الكويت،دار أطلس الخضراء للنشر والتوزيع
Nombor Edisi
الأولى
Tahun Penerbitan
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
Lokasi Penerbit
الرياض - المملكة العربية السعودية
Genre-genre
الدلائل والإشارات
على أخصر المختصرات
1 / 1
جميع الحقوق محفوظة
لدار ركائز للنشر والتوزيع
الطبعة الأولى
١٤٣٩ هـ - ٢٠١٨ م
1 / 2
الدلائل والإشارات على أخصر المختصرات
للإمام
محمد بن بدر الدين البلباني الحنبلي
ت: ١٠٨٣ هـ
شرح
د. عبد العزيز بن عدنان العيدان
د. أنس بن عادل اليتامى
المجلد الأول
من أول الكتاب إلى نهاية كتاب الصيام
1 / 3
بسم الله الرحمن الرحيم
1 / 4
بسم الله الرحمن الرحيم
وبه نستعين
الحمد لله الذي فقَّه من شاء من عباده في الدين، وشرح صدورهم لاقتفاء سنن الأنبياء والمرسلين، والصلاة والسلام على خاتم النبيين، وسيد العلماء أجمعين، مَن بيَّن لنا الحلال والحرام بأخصر سبيل، وأوضح دليل، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أولي الذكر الحسن والثناء الجميل.
أما بعد:
فإنه لما كان كتاب (أَخْصَرِ المُخْتَصَرَاتِ)، للإمام المتفنن والعلامة المتقن، شيخ الحنابلة في زمانه، ومرجع فقهاء الشام في أوانه، محمد بن بدر الدين بن عبد القادر بن بلبان الخزرجي الحنبلي، المتوفى سنة (١٠٨٣ هـ)، غايةً في الإفادة، وجامعًا لأمات المسائل وزيادة، وكان محطَ عنايةِ المبتدئين، ومرتقىً للطلاب المجتهدين، استخرنا الله تعالى بوضعِ تعليقاتٍ عليه، تحرر منطوقَه، وتبين مفهومَه، وتقيد مطلقَه، وتشرح عبارته، مع العناية بالتقسيمِ والتدليلِ، وذكرِ الضوابطِ والتعليلِ، ولم نخرجْ في ذلك كله عن المعتمد عند المتأخرين من الأصحاب، إلا أن يكون في المسألة قولٌ آخر له حظٌ من النظر والصواب، مع التنويه غالبًا بمن قال به من المحققين أولي النهى والألباب.
1 / 5
فمتى قلنا: (اتفاقًا) فالمراد به قول الأربعة الذين انتشر قولهم وطاب، وإذا قلنا: (قيل) فالمراد به قولٌ في مذهب الحنابلة الأحباب، ولم نذكر الخلاف العالي إلا لسبب من الأسباب، فكان شرحًا متوسطًا بين الإيجاز والإطناب، وسميناه: (الدَّلَائِلَ وَالإِشَارَاتِ عَلَى أَخْصَرِ المُخْتَصَرَاتِ (١)، مع الإقرار بالعجز وضعف الآلة، وعدم الأهلية وقلة البضاعة، فكنا على موائد أهل العلم متطفلين، ومن معين كتاباتهم ناهلين، سائلين الله رب الأولين والآخرين، أن ينفع به كما نفع بالسابقين الأولين، وأن يغفر ما تضمنه من الزلات، ويعفو عما اقترفته أيدينا من الذنوب والسيئات، إنه سميع قريب مجيب الدعوات.
_________
(١) اعتمدنا في إخراج متن أخصر المختصرات على أربع نسخ بخط المؤلف -وقد عُرف بكثرة النسخ-، وجردناه هنا عن فروق النسخ والتعليق على مواضع منه، وأفردنا المتن في كتاب مستقل محققًا.
1 / 6
(بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
(وَبِهِ تَوْفِيقِي)
ابتدأ المصنف كتابه بالبسملة؛ تأسيًا بالكتاب العظيم، واقتداءً بالنبي الكريم ﷺ.
والجار والمجرور في قوله: (بِسْمِ) متعلق بفعل محذوف مؤخر مناسب للمقام، وتقديره هنا: بسم الله أؤلف، والمعنى: أؤلف مستعينًا بجميع أسماء الله الحسنى المتضمنة لصفاته العليا، متبركًا بذكرها حال تأليف هذا المختصر.
و(اللهُ): عَلَمٌ على الباري جل وعلا، أصله (الإله)، حُذفت الهمزة، وأُدغمت اللام في اللام، فصارتا لامًا واحدة مشددة مفخمة، و(الإله) هو المألوه، أي: المعبود، من أَلِهَ يألَه: إذا تعبَّد، قال ابن عباس ﵁: «هُوَ الَّذِي يَأْلَهُهُ كُلُّ شَيْءٍ، وَيَعْبُدُهُ كُلُّ خَلْقٍ» [تفسير الطبري ١/ ١٢١].
و(الرَّحْمَنُ): اسم من أسماء الله المختصة به، لا يُطلق على غيره، ومعناه: المتصف بالرحمة الواسعة.
و(الرَّحِيمُ): من أسماء الله أيضًا، ومعناه: ذو الرحمة الواصلة.
(وَبِهِ) وحده سبحانه لا بغيره.
(تَوْفِيقِي) وهدايتي، والتوفيق: هو أن لا يكلك الله إلى نفسك، [، وضده الخذلان: وهو أن يخلي بينك وبين نفسك.] [*]
_________
[*] قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: ما بين المعكوفتين زيادة من هذه النسخة الإلكترونية المهداة من الناشر للبرنامج، وليست بالمطبوع
1 / 7
و(الحَمْدُ): هو وصف المحمود بصفات الكمال على وجه المحبة والتعظيم، سواءٌ كان في مقابلة نِعمة أم لا، واللام في (الحَمْدُ) للاستغراق أو الجنس، فكل أنواع المحامد أو جنسُها مستحَقَّة ومملوكة (لِله) تعالى؛ لكماله في أسمائه وصفاته وأفعاله.
فالله هو (المُفَقِّهُ) أي: المفهِّم، - وليس ذلك من أسمائه -، الذي يتفضَّل على (مَنْ شَاءَ مِنْ خَلْقِهِ) ممن أراد به الخير بالفقه (فِي الدِّينِ)، مِن دان للشيء: إذا ذل له وانقاد، والدين: الذل والانقياد لله تعالى في أمره ونهيه، والفقه في دين الله: هو فهم ما أمر الله به وما نهى عنه.
وجاء في فضل الفقه في الدين دلائل وآثار، كحديث معاوية ﵁ مرفوعًا: «مَنْ يُرِدِ الله بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ» [البخاري: ٧١، ومسلم: ١٠٣٧]، قال سفيان بن عيينة: (لم يُعْط أحد بعد النبوة شيئًا أفضل من طلب العلم والفقه)، قيل له: عمن هذا؟ قال: (عن الفقهاء كلهم).
والفقه لغة: الفهم، واصطلاحًا: العلم بالأحكام الشرعية العملية المستنبطة من أدلتها التفصيلية.
(وَالصَّلَاةُ) على نبينا محمد ﷺ، وهي ثناء الله عليه في الملأ الأعلى، قال أبو العالية: «صلاة الله: ثناؤه عليه عند الملائكة» [البخاري معلقًا ٦/ ١٢٠].
1 / 8
(وَالسَّلَامُ) أي: السلامة من النقائص والرذائل (عَلَى نَبِيِّنَا) ورسولنا محمد ﷺ، فسلَّمه الله في حياته حتى انتشر دينه، وسلَّم سنته من التحريف والتبديل والزيادة والنقص بعد وفاته، والنبي: من النَّبْوة وهي الرفعة، وهو الذي ينبئ بما أنبأه الله به، وكان يعمل بشريعة من قبله، فإن أرسل الله إليه برسالة ليبلغ غيره فهو الرسول. أفاده شيخ الإسلام.
و(مُحَمَّدٌ) من أسماء نبينا الخاتم صلوات الله وسلامه عليه، سُمي به؛ لكثرة خصاله الحميدة، وشمائله المجيدة، (الأَمِينُ) على وحي الله وتبليغه؛ لحديث أبي سعيد الخدري ﵁ مرفوعًا: «أَلا تَأْمَنُونِي وَأَنَا أَمِينُ مَنْ فِي السَّمَاءِ» [البخاري: ٤٣٥١، ومسلم: ١٠٦٤]، (المُؤَيَّدُ) أي: المقوَّى من عند الله بروح القدس، الذي نزل (بِكِتَابِهِ) العزيز، قال تعالى: ﴿وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ﴾ البقرة: ٨٧
، (المُبِينِ) أي: الواضحة معانيه على أتم وجه وأعظم بيان، قال تعالى: ﴿مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ﴾ الأنعام: ٣٨، وهو ﷺ (المُتَمَسِّكُ بِحَبْلِهِ) أي: بحبل الله (المَتِينِ) وهو دينه وكتابه، وفي حديث زيد بن أرقم ﵁ مرفوعًا: «أَلَا وَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ: أَحَدُهُمَا كِتَابُ اللهِ ﷿، هُوَ حَبْلُ اللهِ، مَنِ اتَّبَعَهُ كَانَ عَلَى الهدَى، وَمَنْ تَرَكَهُ كَانَ عَلَى ضَلَالَةٍ» [مسلم: ٢٤٠٨].
1 / 9
(وَ) الصلاة والسلام (عَلَى آلِهِ) وهم أتباعه على دينه؛ لأن الله تعالى أطلق الآل على الأتباع في الدين، فقال: (أدخلوا آل فرعون أشد العذاب).
وعنه واختاره شيخ الإسلام: أنهم أهل بيته.
وأدخل شيخ الإسلام فيهم: زوجاته ﵅.
(وَ) على (صَحْبِهِ) جمع صاحب، بمعنى الصحابي: وهو من اجتمع بالنبي صلى لله عليه وسلم مؤمنًا به ومات على ذلك، (أَجْمَعِينَ) توكيد لدخول جميع الآل والأصحاب في الصلاة والسلام بلا استثناء، وفي الجمع بين الصلاة والسلام على الآل والأصحاب مخالفةٌ لأهل الأهواء والبدع.
(وَبَعْدُ) بالبناء على الضم، أي: بعْدَ ما ذُكر من حَمْد الله والصلاةِ والسلام على رسوله، وهي كلمة يؤتَى بها للشروع في المقصود، ويُستحب الإتيان بها في المكاتبات؛ اقتداءً به ﷺ، ففي حديث ابن عباس ﵄ حين كتب ﷺ لهرقل، وفيه: «بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ: سَلامٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الهُدَى، أَمَّا بَعْدُ، فَإِنِّي أَدْعُوكَ بِدِعَايَةِ الإِسْلامِ» [البخاري: ٧، ومسلم: ١٧٧٣].
1 / 10
(فَقَدْ سَنَحَ) أي: عرض (بِخَلَدِي) أي: بالي ونفسي، (أَنْ أَخْتَصِرَ) أي: أوجز وأقلل، والمختصر: ما قلَّ لفظه وكثرت معانيه، (كِتَابِي) الآخر المختصر (المُسَمَّى بِـ «كَافِي المُبْتَدِي») من الطلاب)، كما سماه بذلك في مقدمة كتابه المذكور، الذي اجتهد في تحريره واختصاره وتهذيبه، (الكَائِنَ فِي فِقْهِ الإِمَامِ) حقًّا، وشيخ الإسلام صدقًا، المقتدى به في أصول الدين وفروعه، العالم المبجل، أبي عبد الله (أَحْمَدَ بنِ) محمد بن (حَنْبَلٍ) الشيباني البغدادي، (الصَّابِرِ لِحُكْمِ المَلِكِ المُبْدِي) أي: المنفرد بإيجاد الخلق من العدم، وذلك حين افتُتن المسلمون بفتنة خلق القرآن، فثبَّته الله وثبَّت به معالم الدِّين، وكشف به تحريف المبطلين، وتأويل الجاهلين، حتى صار مقصدًا للطالبين، وطِلبة للمتفقهين، ورُحلة للمتعلمين، ﵀ رحمة يبلغ بها منازل الصديقين.
ثم سار على سَننه في الفقه جماعاتٌ من الفقهاء في قرون من الأزمان، قسَّمهم أهل المعرفة إلى ثلاث طبقات بحسب الزمان، وتميزت كل طبقة بجملة من الميزات:
الطبقة الأولى: المتقدمون (٢٠٤ هـ-٤٠٣ هـ): وهم أصحاب الإمام وتلاميذه، الذين كتبوا عنه كلامه، وقيدوا آراءه، ودوَّنوا أجوبته، كابنيه صالح
1 / 11
وعبد الله، وإسحاق بن إبراهيم، والمرُّوذي، وجماعات يبلغ عددهم المئات.
ثم جاء مَن بعدهم من أهل هذه الطبقة، فجمعوا أقوال الإمام وتتبعوها، وسطروا أجوبته في أسفار ورتَّبُوها، أمثال الإمام أبي بكر الخلال في جامع المذهب، وغلامه أبي بكر عبد العزيز في كتبه: الشافي والتنبيه وزاد المسافر، وأبي القاسم الخرقي في مختصره، وغيرهم، فحفظوا للأمة فقه الإمام الشيباني، واجتمعت في أيديهم الآلاف من المسائل والفتاوي، فغدا ذلك المجموع مقصِدًا يقصده المتعلمون، وغايةً يعمِد إليها المتفقهون، وأصبح هؤلاء الفقهاء السالف ذكرهم وتلاميذهم كأبي عبد الله ابن بطة وأبي حفص العُكْبَري ومن في طبقتهما، ومن بعدهم إلى خاتمة هذه الطبقة؛ أبي عبد الله الحسن بن حامد، يحذون في الفتوى حذو الإمام في أجوبته، ويُخَرِّجون الأقوال على أقواله، فكان نِتاج هذه الطبقة يجتمع في أمرين: تتبع فتاوي الإمام وجمعها، والتخريج على أصول مسائل الإمام وأجوبتها.
الطبقة الثانية: المتوسطون (٤٠٣ هـ-٨٨٤ هـ): ويبتدئون بإمام الحنبلية في زمانه، القاضي أبي يعلى الفراء، وتلاميذه الفضلاء، كأبي الخطاب وابن عقيل وابن البناء، وتبعهم بعد ذلك المقادسة، كالموفق ابن قدامة، وابن أخيه شمس الدين ابن أبي عمر المعروف بالشارح، وآل تيمية كالمجد وتقي الدين المعروف بشيخ الإسلام، وآل مفلح كشمس الدين محمد، وحفيده برهان الدين، وهو خاتمتهم.
1 / 12
فاجتهد أصحاب هذه الطبقة في استخراج مناطات أحكامه، واستنباط قواعد مذهبه من أقواله، فكان منهم العلماء الأذكياء، الذين قاموا للإمام بأعظم الوفاء، فسَبَكوا عباراتِه وما يخرَّج عليها في متون فقهية، وقعَّدوا لأقواله قواعد علمية، ونصروا مذهبه بأدلة نقلية وعقلية، وقارنوا بين الأقوال الواردة عمن سبقهم، فصححوا ورجحوا، ونقدوا وضعَّفوا، فكان من أهم تلك المتون التي حظيت بعناية فقهاء المذهب متنان: (الهداية) لأبي الخطاب الكلوذاني، و(المقنع) لابن قدامة المقدسي، وكان من أوسع تلك المصنفات التي جمعت ما سبقها من المتون والمؤلفات: كتاب (الفروع) لشمس الدين ابن مفلح.
وهي طبقة زَخَرت بعلماء وكُتُب شيدت للمذهب أركانه، وشدت له عموده وبنيانه، فرحم الله أهلها وجمعنا بهم في جنات النعيم.
الطبقة الثالثة: المتأخرون (٨٨٥ هـ- ....): ويبتدئون بعلَّامة المذهب في زمانه، القاضي علاء الدين المرداوي، المعروف بالمصحِّح والمرجِّح والمنقِّح، ومن جاء بعده من فقهاء وعلماء، فنظروا في أقوال السابقين وأدلتهم، واشتغلوا فيها بالترجيح، والنظر فيما هو المذهب المعتمد والقول الصحيح، فجاءت مؤلفاتهم لتحقيق هذا المراد، فألَّف المرادوي كتابه العظيم الذي صار عمدة من جاء بعده من المؤلفين: (الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف)، ثم اختصره في كتابه: (التنقيح المشبع)، وجاء بعده إماما المذهب: شرف الدين موسى الحجاوي، وألَّف كتابه: (الإقناع)، وتقي
1 / 13
الدين محمد ابن النجار الفتوحي وألف كتابه: (منتهى الإرادات في الجمع بين المقنع والتنقيح وزيادات)، وصار هذان الكتابان عمدةً عند المتأخرين، ومفزعًا للفقهاء المفتين، ومنبعًا للعلماء المؤلفين، فأَوْلَاهما الفقهاء الذين لحقوهم عنايةً فائقة، بالشرح والتحشية، والحفظ والإقراء، والشغل والإشغال.
ومع تطاول الأيام، وضعف الهمم عن دراسة المتون العظام، اختُصرت هذه المتون؛ ليتمكن طالب فقه الحنابلة من اعتلائها لبلوغ ما فوقها، فكان من أشهر تلك المختصرات مختصران: (زاد المستقنع) للحجاوي، وقد اختصر فيه كتاب (المقنع) لابن قدامة، والآخر (دليل الطالب) لمرعي الكرمي، وقد استقاه من كتاب (منتهى الإرادات)، وشرح الأول منهما البهوتي في كتابه (الروض المربع)، وشرح الثاني ابن ضويان في كتابه (منار السبيل)، فصار هذان المتنان وشرحاهما محط اهتمام المتفقهين، وعناية المدرسين إلى يومنا هذا.
وكان من جملة المتون التي بُنيت على المتون المعتمدة السالفة الذكر: كتاب (كافي المبتدي من الطلاب) للإمام العلامة المتقن محمد ابن بلبان، فبناه على قول واحد هو المعتمد عند الأصحاب، ثم اجتهد في اختصاره (لِيَقْرُبَ تَنَاوُلُهُ) أي: دراسته (عَلَى المُبْتَدِئِينَ) من صغار الطلاب، (وَيَسْهُلَ حِفْظُهُ عَلَى الرَّاغِبِينَ) بحفظ متن من متون الأصحاب، ..........
1 / 14
(وَيَقِلَّ حَجْمُهُ عَلَى الطَّالِبِينَ) لفقه الأئمة الأنجاب، وقال (َسَمَّيْتُهُ) أي: هذا المختصر (أَخْصَرَ المُخْتَصَرَاتِ)، بعيدًا عن التطويل والإطناب، وذلك؛ (لِأَنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى) كتاب (أَخْصَرَ مِنْهُ) أي: من هذا الكتاب، عند المتأخرين من الأصحاب، (جَامِعٍ لِمَسَائِلِهِ فِي فِقْهِنَا) معشرَ الحنابلة (مِنَ المُؤَلَّفَاتِ)، فكان مختصرًا سهل العبارات، جامعًا للمسائل الأمات، واضحًا معناه، ومعتمَدًا عند الأصحاب ما حواه، فجعله المدرسون في زماننا سلمًا يرتقي به الدارس إلى ما فوقه من المتون، ويضبطون به أصول المسائل وينهلون.
ومما ينبغي معرفته عند النظر في كتب الأصحاب، والوقوف عليه عند دراسة أي كتاب، ما اصطلحوا عليه من العبارات والألفاظ، إذ التخليط فيها تخليط في فهم الكلام، ونسبة أقوال غير الإمام إلى الإمام، فيقع الناقل في أخطاء جسام، ويُنسب إلى الوهم والإيهام، ومن تلك الألفاظ في مذهب الحنابلة الكرام:
الرواية: وهي الحكم المروي عن الإمام أَحمد في مسألةٍ ما، نصًّا أو إِيماءً، وقد تكون تخريجًا من الأصحاب على نصوص أحمد فتكون: (روايةً مخرَّجةً)، ويطلقون على ذلك جملة من الألفاظ، منها: (نصَّ عليه)، و(نصًّا)، (وعنه)، (والمنصوص).
1 / 15
الوجه: وهو الحكم المنقول في مسألةٍ عن بعض الأصحاب المجتهدين في المذهب، المعروفين بأصحاب الوجوه، جاريًا على قواعد الإمام غالبًا.
الاحتمال: وهو في معنى الوجه، إلَّا أَن الوجه مجزوم بالفتيا به، والاحتمال تبيين أَن ذلك صالح لكونه وجهًا، فيقولون: (ويحتمل كذا)، (وفي احتمال).
التخريج: وهو نقل حكم مسألة إلى ما يشبهها، والتسوية بينهما فيه، فيقولون: (ويتخرج كذا).
القول: ويشمل جميع ما تقدم، من الرواية والوجه والتخريج والاحتمال، فيقولون: (وفي قول).
المذهب: هو القول المشهور من المذهب، سواء كان رواية أم وجهًا ونحوه.
وإذا أطلق الأصحاب (القاضي) فيريدون به أبا يعلى محمد بن الحسين الفراء، وإذا قالوا: (الموفق) فيعنون به الشيخ أبا محمد عبد الله بن أحمد بن قدامة صاحب المقنع والكافي والمغني، وإذا أطلقوا (الشارح) أو (الشرح) فيعنون به شمس الدين ابن أبي عمر المقدسي، وشرحَه (الشرح الكبير على المقنع)، وإذا قالوا: (الشيخان)، فيريدون بهما الموفق ابن قدامة، ومجد الدين أبي البركات عبد السلام ابن تيمية، وإذا أطلقوا (شيخ الإسلام) فيعنون به الإمام تقي الدين أبي العباس أحمد بن تيمية، وإذا قالوا: (المنقِّح) أو
1 / 16
(المصحِّح) فيريدون به القاضي علاء الدين علي بن سليمان المرداوي.
(وَاللهَ) ﷻ (أَسْأَلُ) ولا مسؤولَ سواه (أَنْ يَنْفَعَ بِهِ قَارِئِيهِ) من غير حفظ، (وَحَافِظِيهِ) عن ظهر قلب، (وَنَاظِرِيهِ) من غير قراءة ولا حفظ، (إِنَّهُ) سبحانه (جَدِيرٌ) أي: حقيق وحري (بِإِجَابَةِ الدَّعَوَاتِ)؛ لأنه قال في محكم التنزيل: (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم)، (وَ) أسأله أيضًا (أَنْ يَجْعَلَهُ) أي: هذا المؤلَّف (خَالِصًا لِوَجْهِهِ الكَرِيمِ)؛ لأنه سبحانه لا يقبل من الأعمال إلا ما كان خالصًا لوجهه، موافقًا لسنة نبيه ﷺ، وأسأله أن يجعله (مُقَرِّبًا إِلَيْهِ فِي جِنَانِ النَّعِيمِ) التي لا نعيم إلا نعيمها، ولا استقرار للعبد إلا بدخولها.
(وَمَا تَوْفِيقِي) إلا بالله، والتوفيق كما تقدّم: هو أن لا يكلك الله إلى نفسك، وضده الخذلان: وهو أن يخلي بينك وبين نفسك، (وَ) ما (اعْتِصَامِي إِلَّا بِالله)، والعصمة: هي الحماية والحفظ من المعاصي والزلل، ولا تكون إلا بلطف الله ورحمته، (عَلَيْهِ) وحده دون ما سواه (تَوَكَّلْتُ) أي: اعتمدت، والتوكل عمل قلبي، وهو: صدق الاعتماد على الله في استجلاب المصالح ودفع المضار، (وَإِلَيْهِ) سبحانه وحده دون ما سواه (أُنِيبُ) أي: أرجع إليه عند الغفلة، وأسارع في مرضاته عند وقوع الزلة.
1 / 17
(كِتَابُ الطَّهَارَةِ)
الكتاب لغةً: الجمع، مِن تَكتَّب بنو فلان: إذا اجتمعوا، والمراد به هنا: المكتوب، أي: هذا مكتوب جامع لمسائل الطهارة مما يوجبها ويُتطهَّر به ونحو ذلك.
- مسألة: الطهارة لغة: النظافة والنزاهة عن الأقذار.
وفي الاصطلاح لها معنيان:
الأول: الطهارة المعنوية: وهي طهارة القلب مِن أدران الشرك، ومساوئ الأخلاق.
الثاني: الطهارة الحسية، وتطلق شرعًا على ثلاثة أمور:
١ - ارتفاع الحدث، والحدث: هو الوصف القائم بالبدن المانع من الصلاة ونحوها مما تُشترط له الطهارة.
٢ - ما في معنى ارتفاع الحدث: كالحاصل بغسل الميت، والوضوء والغسل المستحبين، وغَسل يَدَي القائم من نوم الليل.
٣ - زوال الخبث، أي: النجاسة.
1 / 19
وبدأ بالطهارة؛ لأن آكد أركان الإسلام بعد الشهادتين الصلاة، والطهارة شرط لها، والشرط مقدم على المشروط.
- مسألة: تنقسم (المِيَاهُ) باعتبار ما تتنوع إليه في الشرع إلى (ثَلَاثَةِ) أقسام: طهور، وطاهر، ونجس؛ لقوله تعالى: (وينزل عليكم من السماء ماء ليطهركم به) [الأنفال: ١١]، فوصف الماء بوصف زائد وهو كونه مطهِّرًا لغيره، ولحديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: «إِذَا استَيْقَظَ أَحَدُكُم مِنْ نَوْمِهِ فَلْيَغْسِل يَدَهُ قَبْل أَنْ يُدْخِلهُمَا فِي الإِنَاءِ ثَلَاثًا؛ فَإِنَّ أَحَدَكُم لَا يَدْرِي أَيْنَ بَاتَت يَدُه» [البخاري ١٦٢، ومسلم ٢٨٧]، فدل النهي عنه على أنه لا يرفع الحدث.
وعنه، واختاره شيخ الإسلام: أن المياه تنقسم إلى قسمين: طهور، ونجس؛ لقوله تعالى: (فلم تجدوا ماء فتيمموا) [النساء: ٤٣]، و(ماء) نكرة في سياق النفي فتعم، ولحديث أبي سعيد الخدري ﵁ مرفوعًا: «الماءُ طَهُورٌ لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ» [أحمد ١١٢٥٧، وأبو داود ٦٦، والترمذي ٦٦، والنسائي ٣٢٦].
قال شيخ الإسلام: (وإثبات ماء طاهر غير مطهِّر لا أصل له في الكتاب والسنة).
- ضابط: على الرواية الثانية نقول: إن الأصل في المياه أنها طاهرة مطهِّرة، إلا في موضعين:
1 / 20
١ - إذا خالطه نجس فغير أحد أوصافه الثلاثة، فينجس إجماعًا.
٢ - إذا خالطه طاهر فغيَّر مسماه وسَلَب منه وصف الماء المطلق، فلا يسمى ماء.
- مسألة: أقسام المياه ثلاثة:
القسم (الأَوَّلُ: طَهُورٌ)، أي: الطاهر في ذاته المطهِّر لغيره.
- فرع: (وَهُوَ) أي: الماء الطهور: (البَاقِي عَلَى خِلْقَتِهِ) أي: صفته التي خُلق عليها، إما:
١ - حقيقةً: بأن يبقى على ما وجد عليه من برودة، أو حرارة، أو ملوحة ونحوها.
٢ - أو حكمًا: بأن طرأ عليه شيء لا يسلُبه الطهورية، كالمتغيِّر بغير ممازج ونحوه.
- فرع: حكم الماء الطهور:
١ - لا يرفع الحدث غيره؛ لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا﴾ المائدة ٦، وأما التراب والاستجمار فمبيحان لا رافعان، ويأتي الكلام عليهما.
٢ - ولا يزيل النجسَ الطارئَ غيرُه؛ لأمر النبي ﷺ أن يُهَرَاقَ على بول الأعرابي ذَنوبًا من ماء. [البخاري ٢٢١، ومسلم ٢٠٠٤].
1 / 21