لما دخل عليه أخرج له ذكره منعظًا وقال له هل رأيت مثل هذا قال لا قال فاسجد له فسجد وهو القائل يخاطب المصحف وقد جعله هدفًا حين تفاءل منه فخرج قوله تعالى واستفتحوا وخاب كل جبار عنيد
أتوعد كلّ جبار عنيد ... فها أنا ذاك جبار عنيد
إذا ما جئت ربك يوم حشر ... فقل يا ربّ مزقني الوليد
والسبب في قوله هذا أنه لما رأى حالته قد انحل نظامها ودولته مدبرة وقد نفدت أيامها فتح المصحف ينظر فيه فألا فخرج له واستفتحوا الآية
ومن قوله يخاطب المصحف ... فعل من بدّل وحرف
تخوّفني الحساب ولست أدري ... أحقًا ما تقول من الحساب
فقل لله يمنعني طعامي ... وقل لله يمنعني شرابي
تلاعب بالنبوّة هاشمي ... بلا وحي أتاه ولا كتاب
فمتعه الله طعامه وشرابه كما أراد في مقاله وسلط عليه من قتله وهكذا عادة الله في أمثاله فقتل يوم الخميس لليلتين بقيتا من جمادي الأولى سنة ست وعشرين ومائة بالنجراء وهو قصر على ستة أميال من تدمر وله من العمر اثنتان وأربعون سنة وقيل تسع وثلاثون وأشهر وكانت مدة خلافته سنة وشهرين وعشرين يومًا وحمل رأسه إلى دمشق وعلق بها وقرن به دف وطنبور ولم يزل أثر الدم على الجدران إلى أن قدمها المأمون سنة خمس عشرة ومائتين فأمر بحكه وكان والبة بن الحباب من الخلعاء المستهزئين وهو الذي ربى أبا نواس وأدبه يحكي عنه أنه كشف يومًا عن فقحته فقبلها فضرط على لحيته فقال له ويلك ما هذا فقال أما سمعت المئل جزاء مقبل الوجعاء ضرطه فزاد كلامه هجبابه
1 / 86