Nyanyian Untuk Kanak-Kanak Arab
الغناء للأطفال عند العرب
Genre-genre
ترقيص الصبيان بالغناء والكلام الموزون من طبائع الإنسان أنى وجد، حتى لتجدنه في الحيوان الأعجم؛ إذ تراه يهارش ولده ويداعبه في صوت لين وحنو كحنو الإنسان على ولده، والترقيص للإنسان من أقوم الوسائل لتربية الطفل وتنشئته، وغرس جميل الخصال وحميد الفعال في ذهنه قبل أن يشتد، حتى تتمكن من أخلاقه وتنقش في مخيلته نقش القلم في الحجر؛ فيشب الطفل وقد انطبعت في جسده وامتزجت بلحمه ودمه فلا يمكن بعد ذلك محوها من ذهنه، وقد كان للعرب نصيب وافر من ذلك الكلام اشتهر عنهم، وحل بينهم أعلى مكان من مجالسهم ومنتدياتهم ومنازلهم الخاصة؛ وكان من الخصال الحميدة التي يتوخونها لتربية الطفل وتهذيبه وغرس بذورها في عقولهم الفخر والشجاعة والإقدام والحماسة والمباهاة والكرم وإغاثة الملهوف، وغير ذلك من الخصال الحسنة، ثم توسعوا في ذلك واتخذوا من ترقيص الطفل بالمقاطيع الشعرية بث أغراض أخرى تلوح لهم يقصدون بها مآرب يسترونها به كالمدح واللوم والعتاب والتبكيت والتقريع والاعتذار والتعريض والذم ... إلخ، حتى لا تجبه أقوالهم منازعيهم رأسا، فيستترون وراء الترقيص ويعتذرون به، ولهذه الأقوال من حسن الأداء وجمال التركيب وسبك الألفاظ وسمو الفكر ما جعل اللغويين يستشهدون بها على فصاحة الحروف ونقاوة اللغة.
وقد كان لي من الحظ أن عثرت في أثناء مطالعاتي على الكثير من تلك المقاطيع فاهتممت بتقييده وشرحه وتفسير ألفاظه وترجمة أصحابه؛ لعلو قدرهم في بيئاتهم، حتى يكون قدوة لنا في عصرنا ننشئ به أطفالنا ونجني من ورائه خير ما يجني كل من أحسن الغرس.
وقصدت بتأليف هذا الكتاب إلى خدمة الأمم العربية عامة والأمة المصرية منها خاصة؛ لاستصلاح بعض الأخلاق التي طرأ عليها شيء كثير من التغيير من فقد الرجولة وقلة الشجاعة وضياع النجدة وضعف الإقدام والتغالي في التجمل والتزين وهما من خلال الأنوثة.
وهذا كتاب الترقيص الذي أقدمه لشباب الأمة هو على ما تحققت الثاني من نوعه في الأدب العربي؛ فإنه لم يؤلف في الترقيص سوى كتاب واحد في أواخر القرن الرابع الهجري، ثم انقطع التأليف فيه إلى هذا التاريخ، وإنما ذكرت مقاطيع متفرقة في شتى الكتب وأكثرها مقتبس من هذا الكتاب.
والكتاب الأول كتاب الترقيص لمحمد بن المعلى الأزدي النحوي اللغوي أبو عبد الله، قال في كشف الظنون: «كتاب الترقيص لمحمد بن المعلى وذكره البغدادي في خزانة الأدب لمناسبة بيت للترقيص قال: رواه الأزدي في كتاب الترقيص، وأشار الثعالبي كذلك في كتابه ثمار القلوب إلى كتاب الترقيص.» وجاء في بغية الوعاة: «محمد بن المعلى بن عبد الله الأسدي.» وقال ياقوت في معجم الأدباء: «أبو عبد الله محمد بن المعلى الأزدي النحوي اللغوي.» ولم يأت في كشف الظنون ولا في خزانة الأدب ولا في بغية الوعاة ولا في معجم الأدباء ذكر للزمن الذي كان يعيش فيه محمد بن المعلى، وإنما جاء في ابن خلكان في ترجمة المبرد ما يأتي: «وقريب من هذه الأبيات ما أنشده أبو عبد الله الحسين بن علي اللغوي البصري النمري لما مات أبو عبد الله محمد بن المعلى الأزدي وكان بينهما تنافس وهي:
مضى الأزدي والنمري يمضي
وبعض الكل مقرون ببعض ... إلخ.»
وبالرجوع إلى بغية الوعاة نجد أن الحسين بن علي أبا عبد الله النمري كان بالبصرة ومات سنة 385ه، ولما كان هو الذي رثى محمد بن المعلى عند وفاته، وكان بينهما تنافس في الحياة، والتنافس بين اثنين يكاد يدل على تقارب الأسنان فتكون وفاة محمد بن المعلى قد حصلت قبل سنة 385ه بقليل، فهو من أهل القرن الرابع الهجري.
وقد جمعت هذا الكتاب بعد مطالعات طويلة، والآن أقدمه هدية للأمهات لا أبغي من ورائها غير خير الأمة، والله يهدي إلى سبيل الرشاد.
الدكتور أحمد عيسى
Halaman tidak diketahui