أتراني اليوم أبدأ مسيرتي في التيه. •••
قالت زهيرة: أراك قد عزمت أمرك على شيء. - لا أستطيع أن أبت في الأمر قبل رأيك. - ماذا تريد؟ وإن كان يخيل إلي أني أعرف ما تريد. - إنك لا شك عرفته. - أتريد هذا؟! - وما البأس؟ - ليس صغيرا. - لا يهم. - والناس الذين نعرفهم ماذا نقول لهم؟ - طفل فقد أهله وتبنيناه. - وشهادة الميلاد؟ - إنني في مكان أستطيع منه أن أستخرج عشرين شهادة ميلاد إذا أردت. - أجمل طفل رأيته في حياتي. - أستخرج جواز سفر له؟ - افعل. - غدا يكون جوازه بين يديك. •••
وفي الغد كان جواز السفر بين يدي زهيرة ومعها شهادة ميلاد تثبت أن صديق اسمه صديق وجدي البطاش.
وفي نفس الغد كان صابر في قسم الشرطة يسأل إن كانت الشرطة قد وصلت إلى جديد في شأن ابنه. ثم هو يترك القسم ويذهب إلى الملاهي ويجلس بها، وإنما مجلسه لها كان بين روادها عجبا. إنه يولي ظهره للملاهي ويستقبل الشارع، ينظر إلى الطريق والسيارات، وكأنما ينظر قادما هو واثق من مجيئه.
سافر وجدي إلى بولندة، وكان في بعثة لمدة سنة ليشهد نظام السجون هناك؛ فقد كان وجدي ضابطا بدرجة رائد في السجن الحربي. وقد استطاع أن يدبر هذه البعثة وشجعه عليها الرؤساء؛ ليحاولوا عن طريق بعثته أن يرفعوا إلى رأس النظام تقريرا يثبت أنهم أكثر شدة من كل السجون التي تشرف عليها النظم الشيوعية.
وحين صحب وجدي وزهيرة صديق فكرا في الطائرة: ماذا نحن صانعان بك هناك؟ - لقد أفهمت سفيرنا هناك أن معي طفلا وأريد أن يواصل تعليمه. - وماذا قال لك؟ - قال: لا مشكلة. - واكتفيت بهذا؟ - وماذا تريدينني أن أصنع؟ - تستفهم، تسأل، تعرف. - في التليفون، والخطوط مراقبة؟ - وهل يهمك أنت الخطوط المراقبة؟ - أنا أكثر من أي إنسان في مصر. - فلماذا لا تراقب الله في بيتك؟
وصوت خفيض مليء بالذلة قال: هل ينقصك شيء؟
وفي جرأة المرأة إذا كان الحق في جانبها: ألا تعرف؟
وفي ذلة أخرى تحاول أن تبتعد عن بؤرة الدوامة: أنت تعيشين أحسن عيشة؛ فيلا وسيارة وطلباتك أوامر تتسابق إلى تنفيذها إمكانات دولة بأكملها. - إذن فلا ينقصني شيء. - مؤكد. - وجدي. - نعم. - من أين تأتي بهذه الجرأة؟ - ألست ضابط جيش؟ - في السجن تنفذ عذاباتك على العزل الذين لا يملكون حربك. - عملي في السجن. على كل ضابط أن ينفذ الأوامر الصادرة إليه، مخالفة الأوامر جريمة قد تصل عقوبتها إلى الإعدام. - أنتم تنفذون الإعدام بلا جريمة على الإطلاق. - اسكتي الله يخرب بيتك. - أكثر من هذا الخراب؟ - اسكتي. - أتظن أن أحدا يسمعنا الآن ونحن في الطائرة؟ - من يدري؟ - كيف تقول: إنك تعلمت الجرأة من الجيش؟ - الجرأة على العدو لا على النظام الذي أعمل واحدا من أجهزته. - وهل أنا عدو؟ - ألعن. - اسمح لي أن أعود إلى سؤالي الأول وأعدله بعض الشيء: من أين تأتي بهذه الصفاقة؟ - صفاقة! - أليست صفاقة منك أن تقول: إنني لا ينقصني شيء؟ - طبعا لا ينقصك شيء. - أنت الذي تقول هذا؟ - وكل الناس تقوله معي. - أسمح لكل الناس أن يقولوه إلا أنت. - لماذا؟ - يا لك من فاجر. - فاجر؟! - أقل وصف طاف بذهني. - ألا تقومين إلى صديق الذي يجلس وحيدا؟ ألا يكفيه شعوره بالبعد عن أهله الذين يرفض أن يقول عنهم شيئا؟
ودون أن تعير محاولته لتغيير الحديث أدنى التفات استمرت في هجومها الشرس: أنا يا وجدي لا ينقصني شيء؟! - مؤكد، قومي إلى صديق. - ألا تعرف ماذا ينقصني؟ - يا ستي فهمت. - فهمت؟ يا لك من ذكي! أيحتاج هذا إلى فهم؟ - إذن فلماذا هذا الهجوم؟ - كان ينبغي أن تطلقني من أول يوم عرفت فيه أنك عاجز تماما كرجل. - وأفضح نفسي؟ - ليس هذا ما يمنعك، أنت تعرف أنني لن أقول شيئا. - وكيف أعرف؟ - ومن أجل هذا ترفض أن تطلقني وتجعلني تحت المراقبة الدائمة، أهذه رجولة؟ آسفة، أنت أصلا لست رجلا، ولكن لا بد أنك إنسان، ولكن كيف؟ من أين لك الإنسانية ووظيفتك التي تعيش عليها هي قتل الإنسانية في الإنسان، أنت مخلوق شاذ، لا من البشر أنت ولا أنت من الحيوان؛ لأن الحيوان يأكل فريسته ولا يعذبها. أنت ...
Halaman tidak diketahui