وجاء البحار حارس الشاطئ: تحت أمرك يا بك! - ما اسمك؟ - مهدي الحوت. - حوت مرة واحدة؟! - أسماء يا بك، عائلتنا اسمها عائلة الحوت، من دمياط، من قبل أن يأتي إليها نابليون. - يا مرحبا يا عم مهدي. - مرحبا بك يا سعادة البك، أظن سعادتك أول مرة تشرفنا يا صابر بك. - أتعرف اسمي؟ - واسم أبيك ولا مؤاخذة، وبلدك وكل شيء عنك. - كيف؟ - منذ استأجرت للاصطياف هنا عرفنا كل شيء عنك.
ودهش صابر غاية الدهشة: مخابرات؟ - أبدا يا بك، فقط نريد أن نعرف مع من سنتعامل في موسمنا. - مشهورون أنتم بالذكاء يا أهل دمياط. - هذا من ذوقك يا صابر بك. - قل لي يا مهدي. - تحت أمرك. - أنت حوت فعلا أم هو اسم فقط؟ - هذا يتوقف عما تقصد بالحوت. - وماذا يمكن أن أقصد؟ - إن كنت تعني أنني جشع، أو أنني أبتلع الأسماك الأخرى، فأنا لست حوتا.
وضحك صابر حتى اغرورقت عيناه بالدموع، وقال: بل أقصد هل أنت حوت في العوم أم لا؟ - آه، من هذه الناحية أنا - والحمد لله - أعظم من الحوت؛ تعلمت العوم قبل أن أتعلم المشي، ونحن يا بك لا نعين هنا إلا بعد اختبارات دقيقة. - عظيم؟ إننا سنصبح أصدقاء أيها الحوت العظيم. - تحت أمرك. - أريد أن تعلمني وتعلم ابني هذا العوم. - من عيني الاثنتين. - نبدأ من الغد. - ومن الآن إذا أردت. - غدا نبدأ. - يحسن أن يكون هذا في باكر الصباح؛ حتى لا يكون البحر مليئا بالمصطافين. - البركة في البكور، أنا وابني نصلي الفجر حاضرا والحمد لله. - إذن نأتي إليك في السابعة. - على بركة الله.
وانصرف مهدي، وما هي إلا دقائق حتى أقبلت هند في يدها كرة غاية في الأناقة أعطتها لصديق وقالت له: قم فالعب بهذه الكرة. - وحدي يا نينا؟ - أنا سألعب معك.
وصاح صابر: وأنا أيضا.
وفرح صديق وهو يقول: حقا؟
وقام ثلاثتهم، وما إن ظهرت الكرة تتألق على ضوء الشمس التي بدأت تستعد للرحيل، حتى تحلق الأطفال الآخرون حول صديق ووالديه. وما هي إلا لحظة من زمن حتى كان صابر وهند جالسين، وكان الأطفال قد أصبحوا أصدقاء ملعب وكأنهم يعرفون بعضهم البعض منذ ولدوا.
وأي شيء يمكن أن يحول بين الأطفال وبين الصداقة؟ نفوس الجميع منهم جديدة وضيئة صافية كأنها البللور. لا يطمع أحد منهم في الآخر، ولا يرجو واحد منهم عند الآخر غنيمة، ولا تحقد نفس منهم على نفس. أبرياء هم كالطهارة، أنقياء كمياه السحب، أصفياء كالنور، متألقون كالأمل، خلجات الحياة هم، وإشراق الدنيا لم يزحف عليها غيوم الغروب.
تقدم مهدي الحوت إلى صابر وهند وهو مبهور: ربنا يحميه، ابنكم جماله ليس له مثيل. - بارك الله فيك! - أنا لا أجامل، أنا أشاهد آلاف الأطفال، لم أر جمالا مثل هذا الجمال. - فضل من الله. - الجمال موهبة من عند الرزاق الكريم. - نحمده ونشكر فضله. - البنات من لحظة نزوله للعب يحطن به يكدن يأكلنه أكلا!
وتقول هند: يا راجل يا طيب، إنهن أطفال. - أي نعم، ولكنهن بنات، ويعرفن كيف يقدرن الجمال، ربنا يحميه.
Halaman tidak diketahui