Ghiyath Umam

الغياثي غياث الأمم في التياث الظلم

Penyiasat

عبد العظيم الديب

Penerbit

مكتبة إمام الحرمين

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1401 AH

Genre-genre

Fiqh Shafie
[مُقَدِّمَةُ الْمُؤَلِّفِ] ١ - لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، عُدَّةٌ لِلِقَا اللَّهِ ﷿. قَالَ الشَّيْخُ الْأَجَلُّ، الْإِمَامُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ، إِمَامُ الْحَرَمَيْنِ، أَبُو الْمَعَالِي عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُوَيْنِيُّ - رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ -: ٢ - الْحَمْدُ لِلَّهِ الْقَيُّومِ الْحَيِّ، الَّذِي بِإِرَادَتِهِ كُلُّ رُشْدٍ وَغَيٍّ، وَبِمَشِيئَتِهِ كُلُّ نَشْرٍ وَطَيٍّ. كُلُّ بَيَانٍ فِي وَصْفِ جَلَالِهِ حَصَرٌ وَعِيٌّ، وَبَيْنَ عَيْنَيْ كُلِّ قَيْصَرٍ وَكَيٍّ، مِنْ قَهْرِ تَسْخِيرِهِ وَسْمٌ وَكَيٌّ، ﴿فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا وَمِنَ الْأَنْعَامِ أَزْوَاجًا يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ فَالْعُقُولُ عَنْ عِزِّ جَلَالِهِ مَعْقُولَةٌ، وَمَعَاقِدُ الْعُقُودِ فِي نَعْتِ جَمَالِهِ مَحْلُولَةٌ، وَمَطَايَا الْوَاجِدِينَ مَشْكُولَةٌ، وَقُلُوبُ الْعَارِفِينَ عَلَى الدَّأَبِ فِي

1 / 3

الطَّلَبِ مَجْبُولَةٌ، وَأَيْدِي الْمُرِيدِينَ إِلَى الْأَعْنَاقِ مَغْلُولَةٌ، وَأَفْئِدَةُ الْقَانِعِينَ بِمَلِكِ الدَّارَيْنِ مَعْلُولَةٌ، وَغَايَةُ الزَّاهِدِينَ الْعَابِدِينَ مَوَاعِدُ مَأْمُولَةٌ، وَفِي عَرَصَاتِ الْكِبْرِيَاءِ أَلْسِنَةٌ مَسْلُولَةٌ، وَدِمَاءُ الْهَلْكَى فِي اللَّهِ مُهْدَرَةٌ مَطْلُولَةٌ، وَحُدُودُ الْمُشَمِّرِينَ فِي غَيْرِ مَا قُدِّرَ لَهُمْ مَفْلُولَةٌ، وَنِهَايَةُ الْمُكَاشِفِينَ حَيْرَةٌ مَحْصُولَةٌ، فَلَا يَنْفَعُ مَعَ الْقَدَرِ الْمَحْتُومِ وَسِيلَةٌ، وَلَا يَدْرَأُ الْقَضَاءَ الْأَزَلِيَّ حِيلَةٌ، وَالْأَفْهَامُ دُونَ حِمَى الْعِزَّةِ مَبْهُورَةٌ، وَالْأَوْهَامُ مَقْهُورَةٌ، وَالْفِطَنُ مَزْجُورَةٌ، وَالْبَصَائِرُ مَدْحُورَةٌ، وَالْفِكَرُ عَنْ مَدْرَكِ الْحَقِّ مَقْصُورَةٌ، وَذِكْرُ اللِّسَانِ أَصْوَاتٌ وَأَجْرَاسٌ، وَمُتَضَمَّنُ الْخَوَاطِرِ وَسْوَاسٌ، وَالسُّكُونُ عَنِ الطَّلَبِ تَعْطِيلٌ، وَالرُّكُونُ إِلَى مَطْلُوبٍ مُخَيَّلٍ تَمْثِيلٌ، وَبَذْلُ الْمُهَجِ فِي أَدْنَى مَسَالِكِ الْمُرِيدِينَ قَلِيلٌ، وَلَيْسَ إِلَى دَرْكِ

1 / 4

حَقِيقَةِ الْحَقِّ سَبِيلٌ، وَنَارُ اللَّهِ عَلَى أَرْوَاحِ الْمُشْتَاقِينَ مُوقَدَةٌ، وَمَدَارِكُ الْوُصُولِ بِأَغْلَاقِ الْعِزِّ مُوصَدَةٌ، وَمَنْ قَنِعَ بِالدَّعْوَى ضَاعَ زَمَانُهُ، وَمَنْ تَحَقَّقَ فِي الْإِرَادَةِ طَالَتْ أَحْزَانُهُ، وَمِنْ ضَرِيَ بِالْكَلَامِ صَدِيَ جَنَانُهُ، وَمَنْ عَرَفَ اللَّهَ كَلَّ لِسَانُهُ، ﷻ، وَتَقَدَّسَتْ

1 / 5

أَسْمَاؤُهُ. اسْتِوَاؤُهُ اسْتِيلَاؤُهُ، وَنُزُولُهُ بَرُّهُ وَحِبَاؤُهُ، وَمَجِيئُهُ حُكْمُهُ وَقَضَاؤُهُ، وَوَجْهُهُ بَقَاؤُهُ، وَتَقْرِيبُهُ اصْطِفَاؤُهُ، وَمَحَبَّتُهُ آلَاؤُهُ، وَسُخْطُهُ بَلَاؤُهُ، وَبُعْدُهُ عَلَاؤُهُ، الْعَظَمَةُ إِزَارُهُ، وَالْكِبْرِيَاءُ رِدَاؤُهُ، غَرِقَتْ فِي نُورِ سَرْمَدِيَّتِهِ عُقُولُ الْعُقَلَاءِ، وَبَرِقَتْ فِي وَصْفِ صَمَدِيَّتِهِ عُلُومُ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يَحْصُلْ مِنْهُ أَهْلُ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ إِلَّا عَلَى الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ، فَالْخَلْقُ رُسُومٌ خَالِيَةٌ، وَجُسُومٌ بَالِيَةٌ، وَالْقُدْرَةُ الْأَزَلِيَّةُ لَهَا وَالِيَةٌ، جَلَّتْ سَاحَةُ الرُّبُوبِيَّةِ، وَحِمَى الْعِزَّةِ الدَّيْمُومِيَّةِ، عَنْ وَهْمِ كُلِّ جِنِّيٍّ وَإِنْسِيٍّ، وَمُنَاسَبَةِ عَرْشٍ وَكُرْسِيٍّ، فَالشَّوَاهِدُ دُونَهَا مُنْطَمِسَةٌ، وَالْعُلُومُ مُنْدَرِسَةٌ، وَالْعُقُولُ مُخْتَلِطَةٌ مُلْتَبِسَةٌ، وَالْأَلْسِنَةُ مُعْتَقَلَةٌ مُحْتَبَسَةٌ، فَلَا تَحْيِيثَ وَلَا

1 / 6

تَحْيِيزَ، وَلَا تَحْقِيقَ وَلَا تَمْيِيزَ، وَلَا تَقْدِيرَ وَلَا تَجْوِيزَ، وَلَيْسَ إِلَّا وَجْهُهُ الْعَزِيزُ. ٣ - قَدْ أَفْلَحَ الْحَامِدُونَ، وَخَابَ الْجَاحِدُونَ، وَفَازَ الْمُؤْمِنُونَ، وَكُفِيَ الْمُتَوَكِّلُونَ، وَصَدَقَ الْمُرْسَلُونَ، وَاعْتَرَفَ لِلَّهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ الْمُؤَيِّدُونَ، وَأَيْقَنَ بِنُبُوَّةِ الْمُرْسَلِينَ، وَصِدْقِ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ، وَقَائِدِ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِينَ - الْمُوَفَّقُونَ. وَعَلَى الْأَنْبِيَاءِ أَجْمَعِينَ. ٤ - قَدْ تَقَدَّمَ الْكِتَابُ النِّظَامِيُّ، مُحْتَوِيًا عَلَى الْعَجَبِ الْعُجَابِ، وَمُنْطَوِيًا عَلَى لُبَابِ الْأَلْبَابِ، أُحْدُوثَةٌ عَلَى كَرِّ الْعَصْرِ، وَغُرَّةٌ فِي جَبْهَةِ الدَّهْرِ، يَعْشُو إِلَى مَنَارِهَا الْمُرْتَبِكُ فِي الشُّبُهَاتِ، وَيَلُوذُ بِآثَارِهَا الْمُنْسَلِكُ فِي مَثَارِ الْمَتَاهَاتِ، وَيَقْتَدِي بِنُجُومِهَا الْمُتَرَقِّي عَنْ مَهَاوِي الْوَرَطَاتِ، وَيَنْخَنِسُ بِرُجُومِهَا الْمُتَعَثِّرُ فِي أَذْيَالِ الضَّلَالَاتِ، وَوَافَى الْجَنَابِ الْأَسْمَى عَرُوسًا، احْتَضَنَهَا طَبٌّ بِالْحَضَانَةِ، قَدِ

1 / 7

اسْتَوْظَفَ فِي الْقِيَامِ عَلَيْهَا زَمَانَهُ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَوِّمُ قَدَّهَا، وَيُوَرِّدُ خَدَّهَا، وَيُكَحِّلُ بِالْبَصَائِرِ أَحْدَاقَهَا، وَيَشُقُّ إِلَى صَوْبِ الْبَدَائِعِ وَالذَّخَائِرِ آمَاقَهَا، وَيَرْصُفُ دُرَرَهَا وَعِقْيَانَهَا، وَيُشَنِّفُ بِقِرَطَةِ الْحَقَائِقِ آذَانَهَا، وَيُنْطِقُ بِغُرَرِ الْكَلَامِ لِسَانَهَا، وَيُطَوِّقُ بِجَوَاهِرِ الْحِكَمِ جِيدَهَا، وَيُزَيِّنُ مِخْنَقَهَا وَوَرِيدَهَا، وَيُدِيمُ فَرَكَهَا، وَيُلِينُ عَرِيكَهَا، وَيُقَرِّبُ مُتَنَاوَلَهَا وَدَرْكَهَا، وَيُلَقِّنُهَا مِقَةَ خَاطِبِهَا، وَيُلْقِي إِلَيْهَا الْإِقْرَانَ لِصَاحِبِ الدُّنْيَا وَصَاحِبِهَا، فَنَشَأَتْ غَيْدَاءَ مَيَّاسَةً مَرُوضَةً، وَالْمُقْلَةُ الْمُتَطَلِّعَةُ إِلَى خَفَايَا الْعُيُوبِ عَنْهَا مَغْضُوضَةٌ، وَظَلَّتْ تَتَشَوَّقُ إِلَى مُخَيَّمِ الْعِزَّةِ شَوْقًا، وَتَطِيرُ إِلَيْهِ بِأَجْنِحَةِ الْهِزَّةِ تَوْقًا، فَبَرَزَتْ عَنْ حِجَالِهَا مُخْتَالَةً فِي أَذْيَالِهَا، مُتَوَشِّحَةً بِأُبَّهَةِ الْبَهَاءِ. مُشْتَقًّا اسْمُهَا مِنِ اسْمِ أَكْرَمِ الْأَكْفَاءِ. وَالْأَلْقَابُ تَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ، وَجَزِعَتْ إِلَى مَثْوَاهَا سَبَاسِبَ وَرِمَالًا، وَوَاصَلَتْ فِي

1 / 8

صَمْدِ مَوْلَاهَا غُدْوَاتٍ وَآصَالًا، وَقَطَعَتْ مِنْ مَطَايَاهَا أَوْصَالًا، فَصَادَفَتْ مَرْتَعًا خَصِيبًا، وَمَرْبَعًا رَحِيبًا، وَشَأْوًا فِي الْعُلَا بَعِيدًا، وَكَرْمًا قَرِيبًا، وَدَلَّتْ بِمَعَانِيهَا عَلَى عَنَاءِ مُعَانِيهَا، وَبِمَنَاظِمِ مَبَانِيهَا عَلَى غَنَاءِ بَانِيهَا، ثُمَّ أَخَذَتْ تَسْتَعْطِفُ أَعِنَّةَ الْعَطْفِ، وَتَثْنِي أَزِمَّةَ اللُّطْفِ، عَلَى صَاحِبِ التَّأْلِيفِ وَالرَّصْفِ، وَذَكَرَتْ أَنَّهُ يَبْغِي تَنْوِيهًا وَمَنْصِبًا عُلْيَا نَبِيهًا، وَيَفُوقُ مَنَاطَ الْعَيُّوقِ زَهْوًا وَتِيهًا، فَمَا كَانَ إِلَّا كَإِيمَاضَةِ سَيْفٍ، أَوِ انْقِشَاعِ سَحَابَةٍ فِي صَيْفٍ، أَوْ نَفْضَةِ رُدْنٍ، أَوْ طَنَّةِ أُذُنٍ، حَتَّى طَغَتْ مِنْ بِحَارِ الْمَعَالِي أَمْوَاجُهَا، وَتَشَامَخَتْ مِنْ أَطْوَادِ الْكَرَمِ شِعَابُهَا وَفِجَاجُهَا، فَوَافَتِ الْخِلْعَةُ تَجُرُّ عَلَى قِمَّةِ الْمَجَرَّةِ فُضُولَ الذَّيْلِ، وَتُبِرُّ عَلَى نِهَايَاتِ الْمُنَى بِأَوْفَى الْكَيْلِ، وَتَجْرُفُ مَجَاثِمَ الْعُسْرِ كَدُفَّاعِ السَّيْلِ، وَاكْتَسَبَ الْخَادِمُ

1 / 9

شَرَفًا يَتَخَلَّدُ فِي تَوَارِيخِ الْأَخْبَارِ، وَيُكْتَبُ بِسَوَادِ اللَّيْلِ عَلَى بَيَاضِ النَّهَارِ، وَأَعْذَبُ النِّعَمِ مَشَارِعَ، وَأَخْصَبُهَا مَرَاتِعَ، نِعْمَةٌ أَجَابَتْ قَبْلَ النِّدَا، وَلَبَّتْ قَبْلَ الدُّعَا، وَلَيْسَ مَنْ يَنْتَجِعُ الْغَيْثَ فِي أَقْطَارِهِ، كَمَنْ يَسْقِيهِ رَيِّقُ الْوَبْلِ فِي دِيَارِهِ، وَلَوْ لَمْ أَجِدْ أَمْرَ اللَّهِ عِبَادَهُ بِالشُّكْرِ عَلَى نِعَمِهِ الَّتِي لَا تُعَدُّ وَلَا تُحَدُّ أُسْوَةً وَمُقْتَدَى، لَقُلْتُ مَنْ شَكَرَ أَدْنَى مِنَحِ مَوْلَانَا، فَقَدْ ظَلَمَ وَاعْتَدَى، وَلَكِنْ لَا مَعَابَ عَلَى مَنِ اتَّخَذَ كِتَابَ اللَّهِ قُدْوَةً وَمُحْتَدَى. ١ - فَلَا زَالَ رَكْبُ الْمُعْتَفِّينَ مُنِيخَةً ... بِذُرْوَتِكَ الْعُلْيَا، وَلَا زِلْتَ مَقْصِدًا. ٢ - تَدِينُ لَكَ الشُّمُّ الْأَنُوفُ تَخَضُّعَا ... وَلَوْ أَنَّ زُهْرَ الْأُفْقِ أَبْدَتْ تَمَرُّدَا

1 / 10

٣ - لَجَاءَتْكَ أَقْطَارُ السَّمَاءِ تَجُرُّهَا ... إِلَيْكَ لِتَعْفُوَ، أَوْ لِتُورِدَهَا الرَّدَى ٤ - وَإِنِّي لَغَرْسٌ أَنْتَ قِدْمًا غَرَسْتَهُ ... وَرَبَّيْتَهُ حَتَّى عَلَا وَتَمَدَّدَا ٥ - لِأَنَّكَ أَعْلَى النَّاسِ نَفْسًا وَهِمَّةً ... وَأَقْرَبُهُمْ عُرْفًا وَأَبْعَدُهُمْ مَدَى ٦ - وَأَوْرَاهُمُو زَنْدًا، وَأَرْوَاهُمُو ظُبًا ... وَأَسْجَاهُمُو بَحْرًا، وَأَسْخَاهُمُو يَدَا ٧ - وَمَا أَنَا إِلَّا دَوْحَةٌ قَدْ غَرَسْتَهَا وَأَسْقَيْتَهَا ... حَتَّى تَمَادَى بِهَا الْمَدَى ٨ - فَلَمَّا اقْشَعَرَّ الْعُودُ مِنْهَا وَصَوَّحَتْ ... أَتَتْكَ بِأَغْصَانٍ لَهَا تَطْلُبُ النَّدَى.

1 / 11

- فِي الْأَصْلِ فِي نُسْخَةٍ عِوَضُ هَذَا الْبَيْتِ: ٩ - فَلَمَّا ذَوَتْ مِنْهُ الْغُصُونُ، وَصَوَّحَتْ ... وَخَافَ ذُبُولًا، جَاءَ يَسْأَلُكَ النَّدَى ٥ - نَعَمْ؛ وَقَدْ كَانَ ضِمْنَ الْخَادِمِ خِدْمَةَ السَّاحَةِ النِّظَامِيَّةِ، بِكِتَابٍ آخَرَ، هُوَ - لَعَمْرُ اللَّهِ - النَّبَأُ الْعَظِيمُ، وَالْخَطْبُ الْجَسِيمُ، وَالْأَمْرُ الَّذِي لَمْ يَجْرِ بِمِثْلِهِ ذِكْرٌ، وَلَمْ يُحَوِّمْ عَلَيْهِ نَظْمٌ وَلَا نَثْرٌ، وَالْبَحْرُ الْخِضَمُّ الَّذِي لَيْسَ لِبَدَائِعِهِ شَاطِئٌ وَعِبْرٌ. وَلَسْتُ وَاللَّهِ

1 / 12

أَتَصَلَّفُ بِالْإِسْهَابِ فِي ذِكْرِهِ، وَإِنَّمَا أُنَبِّهُ عَلَى عُلُوِّ قَدْرِهِ، وَكَمِ اكْتَنَنْتُهُ فِي أَحْنَاءِ الصَّدْرِ، حَتَّى نَقَدَتْهُ يَدُ السَّبْرِ، وَأَنْضَجَتْهُ نَارُ الْفِكْرِ، ثُمَّ اسْتَقْتُهُ مُصَحِّحًا مُنَقِّحًا إِلَى سَيِّدِ الْوَرَى، وَمُؤَيِّدِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا، وَمَلَاذِ الْأُمَمِ وَمُسْتَخْدِمِ السَّيْفِ وَالْقَلَمِ، وَمَنْ ظَلَّ ظِلُّ الْمُلْكِ بِيُمْنِ مَسَاعِيهِ مَمْدُودًا، وَلِوَاءُ النَّصْرِ مَعْقُودًا، فَكَمْ بَاشَرَ أُوَارَ الْحَرْبِ، وَأَدَارَ رَحَى الطَّعْنِ وَالضَّرْبِ، فَلَا يَدُهُ ارْتَدَّتْ، وَلَا طَلْعَتُهُ الْبَهِيَّةُ ارْبَدَّتْ، وَلَا غَرْبُهُ انْثَنَى، وَلَا حَدُّهُ نَبَا، قَدْ سَدَّتْ مَسَالِكَ الْمَهَالِكَ صَوَارِمُهُ، وَحَصَّنَتِ الْمَمَالِكَ صَرَائِمُهُ، وَحَلَّتْ شَكَائِمَ الْعِدَى عَزَائِمُهُ، وَتَحَصَّنَتِ الْمَمْلَكَةُ بِنَصْلِهِ، وَتَحَسَّنَتِ الدُّنْيَا بِأَفْضَالِهِ وَفَضْلِهِ، وَغَمَرَ بِبِرِّهِ آفَاقَ الْبِلَادِ، وَنَفَى الْغَيَّ

1 / 13

عَنْهَا بِالرَّشَادِ، وَجَلَّى ظَلَامَ الظُّلْمِ عَدْلُهُ، وَكَسَرَ فِقَارَ الْفَقْرِ بَذْلُهُ، وَكَانَتْ خِطَّةُ الْإِسْلَامِ شَاغِرَةً، وَأَفْوَاهُ الْخُطُوبِ إِلَيْهَا فَاغِرَةً، فَجَمَعَ اللَّهُ بِرَأْيِهِ الثَّاقِبِ شَمْلَهَا، وَوَصَلَ بِيُمْنِ نَقِيبَتِهِ حَبْلَهَا، وَأَضْحَتِ الرَّعَايَا بِرِعَايَتِهِ وَادِعَةً، وَأَعْيُنُ الْحَوَادِثِ عَنْهَا هَاجِعَةً، فَالدِّينُ يَزْهُو بِتَهَلُّلِ أَسَارِيرِهِ، وَإِشْرَاقِ جَبِينِهِ، وَالسَّيْفُ يَفْخَرُ فِي يَمِينِهِ، وَيَرْجُوهُ الْآيِسُ الْبَائِسُ فِي أَدْرَاجِ أَنِينِهِ، وَيَرْكَعُ لَهُ تَاجُ كُلِّ شَامِخٍ بِعِرْنِينِهِ، وَيَهَابُهُ اللَّيْثُ الْمُزَمْجِرُ فِي عَرِينِهِ. ٦ - فَمَا أَجْدَرَ هَذِهِ السُّدَّةَ الْمُنِيفَةَ بِمَجْمُوعٍ يَجْمَعُ أَحْكَامَ اللَّهِ تَعَالَى فِي الزَّعَامَةِ، بَيْنَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، لِيَكُونَ شَوْفَ الرَّأْيِ السَّامِي، قُدَّامَهُ وَأَمَامَهُ، فِيمَا يَأْتِي وَيَذَرُ إِمَامَهُ، ثُمَّ تَتَأَبَّدُ فَائِدَتُهُ وَعَائِدَتُهُ إِلَى قِيَامِ الْقِيَامَةِ. ٧ - وَلِكُلِّ كِتَابٍ مَعْمُودٌ وَمَقْصُودٌ، وَمُنْتَحًى مَصْمُودٌ، يَجْرِي مَجْرَى الْأَسَاسِ مِنَ الْبُنْيَانِ، وَالرُّوحِ مِنَ الْحَيَوَانِ، وَالْعَذَبَةِ مِنَ

1 / 14

اللِّسَانِ، وَهَا أَنَا أَبُوحُ بِمَضْمُونِ الْكِتَابِ وَسِرِّهِ، ثُمَّ أَنْفُثُ لَهِيبَ الْفِكْرِ صَالِيًا بِحَرِّهِ، وَأَتَبَرَّأُ عَنْ حَوْلِي وَقُوَّتِي، لَائِذًا بِتَأْيِيدِ اللَّهِ وَنَصْرِهِ. ٨ - فَأَقُولُ: أَقْسَامُ الْأَحْكَامِ، وَتَفَاصِيلُ الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ، فِي مَبَاغِي الشَّرْعِ وَمَقَاصِدِهِ، وَمَصَادِرِهِ وَمَوَارِدِهِ، يَحْصُرُهَا قِسْمَانِ، وَيَحْوِيهَا فِي مُتَضَمَّنِ هَذَا الْمَجْمُوعِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: مَا يَكُونُ ارْتِبَاطُهُ وَانْتِيَاطُهُ بِالْوُلَاةِ وَالْأَئِمَّةِ، وَذَوِي الْإِمْرَةِ مِنْ قَادَةِ الْأُمَّةِ، فَيَكُونُ مِنْهُمُ الْمَبْدَأُ وَالْمَنْشَأُ، وَمِنَ الرَّعَايَا الِارْتِسَامُ وَالتَّتِمَّةُ. وَالثَّانِي: مَا يَسْتَقِلُّ بِهِ الْمُكَلَّفُونَ، وَيَسْتَبِدُّ بِهِ الْمَأْمُورُونَ الْمُتَصَرِّفُونَ. ٩ - وَأَنَا بِعَوْنِ اللَّهِ وَتَوْفِيقِهِ أَذْكُرُ فِي الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، فِي صِفَةِ الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ، وَالرُّعَاةِ وَالْقُضَاةِ، أَبْوَابًا مُنَظَّمَةً، تَجْرِي مِنْ مَقْصُودِ الْقِسْمِ مَجْرَى الْمُقَدِّمَةِ. عَلَى أَنِّي آتِي فِيهَا، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مَقْصُودَ الْكِتَابِ بِالْعَجَائِبِ وَالْآيَاتِ، وَأُشِيرُ بِالْمَرَامِزِ إِلَى مُنْتَهَى الْغَايَاتِ، وَأُوثِرُ الْإِيجَازَ وَالتَّقْلِيلَ، مَعَ تَحْصِيلِ شِفَاءِ الْغَلِيلِ، وَاخْتِيَارِ

1 / 15

الْإِيجَازِ عَلَى التَّطْوِيلِ، بَعْدَ وُضُوحِ مَا عَلَيْهِ التَّعْوِيلُ، ثُمَّ أُقَدِّرُ شُغُورَ الْحِينِ عَنْ حُمَاةِ الدِّينِ، وَوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ، وَأُوَضِّحُ إِذْ ذَاكَ مُرْتَبَطَ قَضَايَا الْوِلَايَةِ، وَأُنْهِي الْكَلَامَ إِلَى مُنْتَهَى الْغَايَةِ، فَإِنَّهُ الْمَقْصُودُ بِالدَّرَكِ وَالدِّرَايَةِ، وَمَا نُقَدِّمُهُ فِي حُكْمِ التَّوْطِئَةِ وَالْبِدَايَةِ. ١٠ - ثُمَّ أَنْعَطِفُ عَلَى الْقِسْمِ الثَّانِي، وَهُوَ الَّذِي يَسْتَوِي إِلَيْهِ فِي الِاحْتِيَاجِ الْقَاصِي وَالدَّانِي، وَأُبَيِّنُ أَنَّ الْمُسْتَنَدَ الْمُعْتَضَدَ فِي الشَّرِيعَةِ نَقَلْتُهَا، وَالْمُسْتَقِلُّونَ بِأَعْبَائِهَا وَحَمَلَتُهَا، وَهُمْ أَهْلُ الِاجْتِهَادِ الضَّامُّونَ إِلَى غَايَاتِ عُلُومِ الشَّرْعِ شَرَفَ التَّقْوَى وَالسَّدَادِ، فَهُمُ الْعِمَادُ وَالْأَطْوَادُ، فَلَوْ شَغَرَ الزَّمَانُ عَنِ الْأَطْوَادِ وَالْأَوْتَادِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ أَلْتَزِمُ شِيمَةَ الْأَنَاةِ وَالِاتِّئَادِ، فَلَيْتَ شِعْرِي مَا مُعْتَصَمُ الْعِبَادِ، إِذَا طَمَا بَحْرُ الْفَسَادِ؟ وَاسْتَبْدَلَ الْخَلْقُ الْإِفْرَاطَ وَالتَّفْرِيطَ عَنْ مَنْهَجِ الِاقْتِصَادِ، وَبُلِيَ الْمُسْلِمُونَ بِعَالِمٍ لَا يُوثَقُ بِهِ لِفِسْقِهِ، وَبِزَاهِدٍ لَا يُقْتَدَى بِهِ لِخُرْقِهِ؟؟ ! أَيَبْقَى بَعْدَ ذَلِكَ مَسْلَكٌ فِي الْهُدَى، أَمْ يَمُوجُ النَّاسُ بَعْضُهُمْ فِي بَعْضٍ مُهْمَلِينَ سُدًى، مُتَهَافِتِينَ عَلَى

1 / 16

مَهَاوِي الرَّدَى؟ فَإِلَى مَتَى أُرَدِّدُ مِنَ التَّقْدِيرَاتِ فُنُونًا؟ وَأَجْعَلُ الْكَائِنَ الْمُسْتَيْقَنَ مَظْنُونًا؟ . كَانَ الَّذِي خِفْتُ أَنْ يَكُونَا إِنَّا إِلَى اللَّهِ رَاجِعُونَا. عَمَّ مِنَّ الْوُلَاةِ جَوْرُهَا وَاشْتِطَاطُهَا، وَزَالَ تَصَوُّنُ الْعُلَمَاءِ وَاحْتِيَاطُهَا ; وَظَهَرَ ارْتِبَاكُهَا فِي جَرَاثِيمِ الْحُطَامِ وَاخْتِبَاطُهَا، وَانْسَلَّ عَنْ لِجَامِ التَّقْوَى رُءُوسُ الْمِلَّةِ وَأَوْسَاطُهَا، وَكَثُرَ انْتِمَاءُ الْقُرَى إِلَى الظُّلْمِ وَاخْتِلَاطُهَا! ! . ﴿فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا﴾؟؟ . فَإِنْ وَجَدْتُ لِلدِّينِ مُعْتَضَدًا، وَأَلْفَيْتُ لِلْإِسْلَامِ مُنْتَصَرًا، بَعْدَمَا دَرَسَتْ أَعْلَامُهُ، وَآذَنَتْ بِالِانْصِرَامِ أَيَّامُهُ، كُنْتُ كَمَنْ يُمَهِّدُ لِرَحَا الْحَقِّ مَقَرَّ الْقُطْبِ، وَيَضَعُ الْهِنَاءَ مَوَاضِعَ النُّقْبِ.

1 / 17

١١ - وَالْآنَ كَمَا يُفْضِي مَسَاقُ هَذَا التَّرْتِيبِ إِلَى تَسْمِيَةِ الْكِتَابِ وَالتَّلْقِيبِ. وَقَدْ تَحَقَّقَ لِلْعَالِمِينَ أَنَّ صَدْرَ الْأَيَّامِ وَمَوْئِلَ الْأَنَامِ، وَمَنْ هُوَ حَقًّا مُعَوَّلُ الْإِسْلَامِ، يُدْعَى بِأَسْمَاءَ تُبِرُّ عَلَيْهَا مَعَانِيهِ، وَيَفُوقُ فَحَوَاهَا مَعَالِيهِ، فَهُوَ غِيَاثُ الدَّوْلَةِ. وَهَذَا إِذَا تَمَّ: (غِيَاثُ الْأُمَمِ فِي الْتِيَاثِ الظُّلَمِ) . فَلْيَشْتَهِرْ بِالْغِيَاثِيِّ كَمَا شُهِرَ الْأَوَّلُ بِالنِّظَامِيِّ. وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّأْيِيدِ وَالتَّوْفِيقِ، وَهُوَ بِإِسْعَافِ رَاجِيهِ حَقِيقٌ.

1 / 18

[الرُّكْنُ الْأَوَّلُ كِتَابُ الْإِمَامَةِ] [الْبَابُ الْأَوَّلُ فِي مَعْنَى الْإِمَامَةِ وَوُجُوبِ نَصْبِ الْأَئِمَّةِ وَقَادَةِ الْأُمَّةِ] خُطَّةُ الْكِتَابِ. ١٢ - فَأَرْكَانُ الْكِتَابِ ثَلَاثَةٌ: أَحَدُهَا: الْقَوْلُ فِي الْإِمَامَةِ، وَمَا يَلِيقُ بِهَا مِنَ الْأَبْوَابِ. وَالرُّكْنُ الثَّانِي: فِي تَقْدِيرِ خُلُوِّ الزَّمَانِ عَنِ الْأَئِمَّةِ وَوُلَاةِ الْأُمَّةِ. وَالرُّكْنُ الثَّالِثُ: فِي تَقْدِيرِ انْقِرَاضِ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ. فَلْتَقَعِ الْبِدَايَةُ بِالْإِمَامَةِ.

1 / 19

الرُّكْنُ الْأَوَّلُ. كِتَابُ الْإِمَامَةِ. ١٣ - وَهِيَ ثَمَانِيَةُ أَبْوَابٍ: الْبَابُ الْأَوَّلُ: فِي وُجُوبِ نَصْبِ الْأَئِمَّةِ وَقَادَةِ الْأُمَّةِ. الْبَابُ الثَّانِي: فِي الْجِهَاتِ الَّتِي تُعِيِّنُ الْإِمَامَةَ وَتُوجِبُ الزَّعَامَةَ. الْبَابُ الثَّالِثُ: فِي صِفَاتِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، وَاعْتِبَارِ الْعَدَدِ فِيمَنْ إِلَيْهِ الْعَهْدُ. الْبَابُ الرَّابِعُ: فِي صِفَاتِ الْإِمَامِ الْقَوَّامِ عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ. الْبَابُ الْخَامِسُ: فِي الطَّوَارِئِ الَّتِي تُوجِبُ الْخَلْعَ وَالِانْخِلَاعَ. الْبَابُ السَّادِسُ: فِي إِمَامَةِ الْمَفْضُولِ. الْبَابُ السَّابِعُ: فِي نَصْبِ إِمَامَيْنِ. الْبَابُ الثَّامِنُ: فِي تَفْصِيلِ مَا إِلَى الْأَئِمَّةِ وَالْوُلَاةِ.

1 / 21

الْبَابُ الْأَوَّلُ. فِي مَعْنَى الْإِمَامَةِ، وَوُجُوبِ نَصْبِ الْأَئِمَّةِ، وَقَادَةِ الْأُمَّةِ. ١٤ - الْإِمَامَةُ رِيَاسَةٌ تَامَّةٌ، وَزَعَامَةٌ عَامَّةٌ، تَتَعَلَّقُ بِالْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، فِي مُهِمَّاتِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا. مُهِمَّتُهَا حِفْظُ الْحَوْزَةِ، وَرِعَايَةُ الرَّعِيَّةِ، وَإِقَامَةُ الدَّعْوَةِ بِالْحُجَّةِ وَالسَّيْفِ، وَكَفُّ الْخَيْفِ وَالْحَيْفِ، وَالِانْتِصَافُ لِلْمَظْلُومِينَ مِنَ الظَّالِمِينَ، وَاسْتِيفَاءُ الْحُقُوقِ مِنَ الْمُمْتَنِعِينَ، وَإِيفَاؤُهَا عَلَى الْمُسْتَحِقِّينَ. وَهَذِهِ جُمَلٌ يُفَصِّلُهَا الْبَابُ الثَّامِنُ الْمُشْتَمِلُ عَلَى مَا يُنَاطُ بِالْأَئِمَّةِ، وَهِيَ مَرَاسِمُ تَحُلُّ مَحَلَّ التَّرَاجِمِ، وَفِيهَا الْآنَ مَقْنَعٌ، وَسَيَأْتِي مُتَّسَعٌ فِي الْبَيَانِ مُشْبِعٌ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ ﷿. [حُكْمُ نَصْبِ الْإِمَامِ] ١٥ - فَنَصْبُ الْإِمَامِ عِنْدَ الْإِمْكَانِ وَاجِبٌ. ١٦ - وَذَهَبَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ كَيْسَانَ إِلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ

1 / 22

وَيَجُوزُ تَرْكُ النَّاسِ أَخْيَافًا، يَلْتَطِمُونَ ائْتِلَافًا وَاخْتِلَافًا، لَا يَجْمَعُهُمْ ضَابِطٌ، وَلَا يَرْبِطُ شَتَاتَ رَأْيِهِمْ رَابِطٌ. وَهَذَا الرَّجُلُ هَجُومٌ عَلَى شَقِّ الْعَصَا، وَمُقَابَلَةِ الْحُقُوقِ بِالْعُقُوقِ، لَا يَهَابُ حِجَابَ الْإِنْصَافِ، وَلَا يَسْتَوْعِرُ أَصْوَابَ الِاعْتِسَافِ، وَلَا يُسَمَّى إِلَّا عِنْدَ الِانْسِلَالِ عَنْ رِبْقَةِ الْإِجْمَاعِ، وَالْحَيْدِ عَنْ سُنَنِ الِاتِّبَاعِ. ١٧ - وَهُوَ مَسْبُوقٌ بِإِجْمَاعِ مَنْ أَشْرَقَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ شَارِقَةً وَغَارِبَةً، وَاتِّفَاقِ مَذَاهِبِ الْعُلَمَاءِ قَاطِبَةً. ١٨ - أَمَا أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ رَأَوُا الْبِدَارَ إِلَى نَصْبِ الْإِمَامِ حَقًّا ; فَتَرَكُوا لِسَبَبِ التَّشَاغُلِ بِهِ تَجْهِيزَ رَسُولِ اللَّهِ وَدَفْنَهُ، مَخَافَةَ أَنْ تَتَغَشَّاهُمْ هَاجِمَةُ مِحْنَةٍ. ١٩ - وَلَا يَرْتَابُ مَنْ مَعَهُ مُسْكَةٌ مِنْ عَقْلٍ أَنَّ الذَّبَّ عَنِ الْحَوْزَةِ، وَالنِّضَالِ دُونَ حِفْظِ الْبَيْضَةِ مَحْتُومٌ شَرْعًا، وَلَوْ تُرِكَ النَّاسُ فَوْضَى لَا يَجْمَعُهُمْ عَلَى الْحَقِّ جَامِعٌ، وَلَا يَزْعُهُمْ وَازِعٌ، وَلَا يَرْدَعُهُمْ عَنِ اتِّبَاعِ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ رَادِعٌ، مَعَ تَفَنُّنِ الْآرَاءِ،

1 / 23