223

Makanan Hati dalam Penjelasan Rangkaian Adab

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Penerbit

مؤسسة قرطبة

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1414 AH

Lokasi Penerbit

مصر

Genre-genre

Tasawuf
وَقَدْ سُئِلَ ابْنُ عَقِيلٍ ﵀ وَرَضِيَ عَنْهُ عَنْ حَبْسِ الطَّيْرِ لِطِيبِ نَغْمَتِهَا، فَقَالَ طَيَّبَ اللَّهُ ثَرَاهُ: سَفَهٌ وَبَطَرٌ يَكْفِينَا أَنْ نَقْدُمَ عَلَى ذَبْحِهَا لِلْأَكْلِ فَحَسْبُ، لِأَنَّ الْهَوَاتِفَ مِنْ الْحَمَامِ رُبَّمَا هَتَفَتْ نِيَاحَةً عَلَى الطَّيَرَانِ وَذِكْرِ فِرَاخِهَا، أَفَيَحْسُنُ بِعَاقِلٍ أَنْ يُعَذِّبَ حَيًّا لِيَتَرَنَّمَ فَيَلْتَذَّ بِنِيَاحَتِهِ، فَقَدْ مَنَعَ مِنْ هَذَا أَصْحَابُنَا وَسَمَّوْهُ سَفَهًا. انْتَهَى. وَأَقُولُ: لَا يَخْفَى عَلَى عَاقِلٍ أَنَّ كَثْرَةَ تَرَنُّمِ الطُّيُورِ عَلَى تَذَكُّرِهَا إلْفَهَا مِنْ الْأَمَاكِنِ الشَّاسِعَةِ، وَالْأَغْذِيَةِ النَّاصِعَةِ، وَالْقَرِينِ الْمُصَافِي، وَالْمَاءِ الْعَذْبِ الصَّافِي، وَالْإِطْلَاقِ الرَّحِيبِ، وَمُخَالَطَةِ الْحَبِيبِ، مَعَ الْوَكْرِ الْمُشْتَهَى لَدَيْهَا، وَالْأَغْصَانِ وَالْعُكُوفِ عَلَيْهَا. وَيُعْجِبُنِي مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَعْرَابِيًّا حُبِسَ فِي قَلْعَةِ جِلِّقِ الْمَحْرُوسَةِ فَضَاقَ بِهِ الْخِنَاقُ، وَبَلَغَتْ مِنْهُ الرُّوحُ التَّرَاقِ، فَدَخَلَتْ إلَيَّ عِنْدَ الْمَحَابِيسِ، وَكَانَ فِي الْحَبْسِ اثْنَانِ مِنْ الدَّيْرَةِ فَقَالَ لِي الْأَعْرَابِيُّ يَا سَيِّدِي أَنَا أَقُولُ قَاتَلَ اللَّهُ حَابِسَ الطَّيْرِ فِي الْأَقْفَاصِ فَإِنَّهُ لِشَجْوِهِ وَغُرْمِهِ يَتَرَنَّمُ وَالْحَابِسُ لَهُ بِشَجْوِهِ وَعَذَابِهِ وَبِلْبَالِهِ يَتَنَعَّمُ، وَلَوْ عَرَفَ مَا فِي جَوْفِهِ مِنْ اللَّهِيبِ النَّاشِئِ عَنْ فِرَاقِ الْإِلْفِ الْحَبِيبِ وَالْمَكَانِ الرَّحِيبِ، لَكَانَ إلَى اُلْبُكَا وَالْوَصَبِ، أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى التَّنَعُّمِ وَالطَّرَبِ، وَلَكِنْ هَانَ عَلَى الْخَلِيِّ، مَا يَلْقَى الْمَلِيُّ. فَقُلْت لَهُ وَمِنْ أَيْنَ عَرَفْت أَنْتَ هَذَا؟ فَقَالَ قِسْته عَلَى نَفْسِي، وَشَبَّهْت حَبْسَهُ بِحَبْسِي، بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنَّا نَشَأَ فِي الْفَلَاةِ الْوَاسِعَةِ، وَالْأَقْطَارِ الشَّاسِعَةِ. فَانْظُرْ حَالَ هَذَا الْأَعْرَابِيِّ مَعَ جَفَائِهِ وَغَبَاوَتِهِ، وَعَدَمِ مُخَالَطَتِهِ لِذَوِي الْعُلُومِ وَقِلَّةِ دِرَايَتِهِ، كَيْفَ أَدْرَكَ هَذَا الْمُدْرَكَ، تَجِدْهُ قَدْ أَصَابَ فِي قِيَاسِهِ وَأَدْرَكَ. وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. . (الثَّالِثُ): لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يُنْكِرَ عَلَى سُلْطَانٍ إلَّا وَعْظًا وَتَخْوِيفًا لَهُ، أَوْ تَحْذِيرًا مِنْ الْعَاقِبَةِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَيَجِبُ. قَالَ الْقَاضِي وَيَحْرُمُ بِغَيْرِ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ مُفْلِحٍ: وَالْمُرَادُ وَلَمْ يَخَفْ مِنْهُ بِالتَّخْوِيفِ وَالتَّحْذِيرِ وَإِلَّا سَقَطَ، وَكَانَ حُكْمُ ذَلِكَ كَغَيْرِهِ. قَالَ حَنْبَلٌ: اجْتَمَعَ فُقَهَاءُ بَغْدَادَ فِي وِلَايَةِ الْوَاثِقِ إلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ وَقَالُوا لَهُ إنَّ الْأَمْرَ قَدْ تَفَاقَمَ وَفَشَا، يَعْنُونَ إظْهَارَ الْقَوْلِ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ وَغَيْرِ ذَلِكَ وَلَا نَرْضَى بِإِمَارَتِهِ وَلَا سُلْطَانِهِ، فَنَاظَرَهُمْ فِي ذَلِكَ وَقَالَ عَلَيْكُمْ بِالْإِنْكَارِ بِقُلُوبِكُمْ

1 / 230