157

Makanan Hati dalam Penjelasan Rangkaian Adab

غذاء الألباب في شرح منظومة الآداب

Penerbit

مؤسسة قرطبة

Nombor Edisi

الثانية

Tahun Penerbitan

1414 AH

Lokasi Penerbit

مصر

Genre-genre

Tasawuf
أَنَّهُمْ سَمِعُوا الْغِنَاءَ وَتَوَاجَدُوا، وَأَفْضَى بِهِمْ إلَى الصُّرَاخِ وَالْغَشْيِ وَالصَّفْقِ وَعَرْبَدُوا. وَفَصَّلَ بَعْضُهُمْ تَفْصِيلًا حَسَنًا بِحَسَبِ الْعَقْلِ، لَوْ سَاعَدَهُ الْقِيَاسُ وَالنَّقْلُ، فَقَالَ مَنْ صَحَّ فَهْمُهُ، وَحَسُنَ قَصْدُهُ، وَصَقَلَتْ الرِّيَاضَةُ مِرْآةَ قَلْبِهِ، وَجَلَتْ نَسَمَاتُ الْعَزِيمَةِ فَضَاءَ سِرِّهِ، فَصَفَا مِنْ تَصَاعُدِ أَكْدَارِ أَرْضِ طَبْعِهِ، وَبُخَارِ بَشَرِيَّتِهِ، وَخَيَلَانِ وَسْوَاسِهِ، وَعَرِيَ مِنْ حُضُوضُ الشَّهَوَاتِ، وَتَطَهَّرَ مِنْ دَنَسِ الشُّبُهَاتِ، فَلَا نَقُولُ: إنَّ سَمَاعَهُ حَرَامٌ، وَفِعْلَهُ ذَلِكَ خَطَأٌ. قَالَ أَبُو طَالِبٍ الْمَكِّيُّ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ: مَنْ طَعَنَ فِي السَّمَاعِ فَقَدْ طَعَنَ فِي سَبْعِينَ صِدِّيقًا وَسُئِلَ الشِّبْلِيُّ عَنْ السَّمَاعِ فَقَالَ ظَاهِرُهُ فِتْنَةٌ وَبَاطِنُهُ عِبْرَةٌ، فَمَنْ عَرَفَ الْإِشَارَةَ حَلَّ لَهُ السَّمَاعُ وَإِلَّا فَقَدْ اسْتَدْعَى الْفِتْنَةَ وَتَعَرَّضَ لِلْبَلِيَّةِ، وَذَلِكَ لِأَنَّ السَّمَاعَ مُهَيِّجٌ مَا فِي الْقُلُوبِ مُحَرِّكٌ مَا فِيهَا، فَلَمَّا كَانَتْ قُلُوبُ الْقَوْمِ مَعْمُورَةً بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى صَافِيَةً مِنْ كَدَرِ الشَّهَوَاتِ، مُحْتَرِقَةً بِحُبِّ اللَّهِ لَيْسَ فِيهَا سِوَاهُ، فَالشَّوْقُ وَالْوَجْدُ وَالْهَيَجَانُ وَالْقَلَقُ كَامِنٌ فِي قُلُوبِهِمْ كُمُونَ النَّارِ فِي الزِّنَادِ، فَلَا تَظْهَرُ إلَّا بِمُصَادَفَةِ مَا يُشَاكِلُهَا. فَمُرَادُ الْقَوْمِ فِيمَا يَسْمَعُونَ إنَّمَا هُوَ مُصَادِفٌ مَا فِي قُلُوبِهِمْ، فَيَسْتَثِيرُهُ بِصَدْمَةِ طُرُوقِهِ وَقُوَّةِ سُلْطَانِهِ، فَتَعْجَزُ الْقُلُوبُ عَنْ الثُّبُوتِ عَنْ اصْطِدَامِهِ، فَتَبْعَثُ الْجَوَارِحَ بِالْحَرَكَاتِ وَالصَّرَخَاتِ وَالصَّعَقَاتِ لِثَوَرَانِ مَا فِي الْقُلُوبِ، لَا أَنَّهُ يُحْدِثُ فِيهَا شَيْئًا. قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الْجُنَيْدُ قَدَّسَ اللَّهُ سِرَّهُ: السَّمَاعُ لَا يُحْدِثُ فِي الْقَلْبِ شَيْئًا وَإِنَّمَا هُوَ مُهَيِّجٌ مَا فِيهِ فَتَرَاهُمْ يَهِيجُونَ مِنْ وَجْدِهِمْ، وَيَنْطِقُونَ مِنْ حَيْثُ قَصْدُهُمْ، وَيَتَوَاجَدُونَ مِنْ حَيْثُ كَامِنَاتُ سَرَائِرِهِمْ، لَا مِنْ حَيْثُ قَوْلُ الشَّاعِرِ وَمُرَادُ الْقَائِلِ، وَلَا يَلْتَفِتُونَ إلَى الْأَلْفَاظِ لِأَنَّ الْفَهْمَ سَبَقَ إلَى مَا يَتَخَيَّلُهُ الذِّهْنُ. وَشَاهِدُ ذَلِكَ كَمَا حُكِيَ أَنَّ أَبَا حَكْمَانَ الصُّوفِيَّ سَمِعَ رَجُلًا يَطُوفُ وَيُنَادِي (يَا سَعْتَرْبِرِّي) فَسَقَطَ وَغُشِيَ عَلَيْهِ فَلَمَّا أَفَاقَ قِيلَ لَهُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ سَمِعْته وَهُوَ يَقُولُ اسْعَ تَرَ بِرِّي، أَلَا تَرَى أَنَّ حَرَكَةَ وَجْدِهِ مِنْ حَيْثُ هُوَ فِيهِ مِنْ وَقْتِهِ لَا مِنْ حَيْثُ قَوْلُ الْقَائِلِ وَلَا قَصْدُهُ كَمَا رَوَى بَعْضُ الشُّيُوخِ أَنَّهُ سَمِعَ قَائِلًا يَقُولُ: الْخِيَارُ عَشْرَةٌ بِحَبَّةٍ، فَغَلَبَهُ الْوَجْدُ فَسُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ إذَا كَانَ الْخِيَارُ عَشْرَةٌ بِحَبَّةٍ فَمَا قِيمَةُ الْأَشْرَارِ فَالْمُحْتَرِقُ بِحُبِّ اللَّهِ لَا تَمْنَعُهُ الْأَلْفَاظُ الْكَثِيفَةُ، عَنْ فَهْمِ الْمَعَانِي اللَّطِيفَةِ، فَلَمْ يَكُنْ وَاقِفًا مَعَ نَغْمَةٍ وَلَا مُشَاهَدَةِ صُورَةٍ. فَمَنْ ظَنَّ أَنَّ السَّمَاعَ يَرْجِعُ إلَى

1 / 164