256

Ghazwah of Mu'tah and the Northern Saraya and Prophetic Missions

غزوة مؤتة والسرايا والبعوث النبوية الشمالية

Penerbit

عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية،المدينة المنورة

Nombor Edisi

الأولى

Tahun Penerbitan

١٤٢٤هـ/٢٠٠٤م

Lokasi Penerbit

المملكة العربية السعودية

Genre-genre

بينما ما حدث من عبد الله بن رواحة - رضي الله تعالى عنه - لا يعدو كونه أمرًا طبعيًا، وموقفًا من مواقف ضعف النفس البشرية يعتريها أوقات الشدة والأزمات، وهو بالتالي لا يُدلِّل على خَوَرِ عبد الله رضي الله تعالى عنه وجُبْنَه، كما يفهمه البعض من ظاهر الرواية، فذلك أمرٌ مفروغٌ منه، فعبد الله بن رواحة - رضي الله تعالى عنه - مشهودٌ له بالشجاعة، والجرأة، ورباطة الجأش، وليس اختيار النَّبيّ ﷺ وهو الخبير في أصحابه - له قائدًا من قوَّاد هذه الموقعة العظيمة التي كانت في عمق الأراضي الخاضعة لنفوذ الدولة البيزنطية، وبعيدًا عن قاعدة المسلمين، وانتدابه له سابقًا في أقوى سراياه وبعوثه، وأصعبها مهمّة وجُرأة، وهي سرايا المغاوير، إلاَّ دليلًا من الأدلة القاطعة على ذلك.
والصحابة - رضي الله تعالى عنهم، وإن كانوا مشهورين بالشجاعة والجرأة وحُب الموت في سبيل الله تعالى، فهم في النهاية ليسوا ملائكة، بل بشر يعتريهم الخوف والضَّعْف في مواطنهما، بل ربَّما مغادرة ميدان المعركة، كما حدث من بعضهم في بعض المواقع، وقد سوَّغ لهم الشرع التحيُّز إلى فئة، وعدم الاستقتال.
إنَّ ما حدث من عبد الله بن رواحة - رضي الله تعالى عنه - أمرٌ طبعي يمكن أن يحدث لكُلِّ إنسان في مثل تلك الظروف الصعبة والمواقف المحرجة.
ولكن معالجة الموقف بمثل تلك القوة، والشجاعة، ورباطة الجأش، لا تحدث من كُلِّ إنسان، فما قام به عبد الله بن رواحة - رضي الله تعالى عنه، لا يقوم به إلاَّ رجال أبطال مؤمنون أمثاله، ولو كان غير ذلك لأطلَقَ لنفسه العنان، ولما استطاع مصابرتها والتغلُّب على فلتاتها.

1 / 316