قال: إذا عفوت عنها كان ذلك من حلمك وسعة صدرك، وكذلك كان يفعل أبوك رحمه الله، فقد كان يسمع الإهانة من نساء بني هاشم ورجالهم فيسكت عنها وهو قادر على الانتقام، وكثيرا ما كان يقربهم ويعطيهم العطيات، وهو دهاء امتدحه العقلاء عليه، وبه كان تأييد سلطانه، فإذا رأيت أن تترفع عن الانتقام من هذه الفتاة وتخرجها من قصرك اتقاء شرها فعلت ما هو جدير بابن معاوية بن أبي سفيان.
قال: أتطلب مني الإفراج عن هذه الخائنة بعد أن تحققت عزمها على قتلي؟! لا أظن معاوية كان يفعل ذلك في مثل هذه الحال.
قال: إذا لم يكن السكوت عنها ممكنا فافعل ما بدا لك، ولكنني لا أريد أن يعلم أهل القصر أن هذه الفتاة تجرأت على الفتك بالخليفة لئلا يهون الإقدام على مثله في عيون الآخرين.
قال: ما العمل إذن؟
قال: افعل كما كان يفعل أبوك، فإذا لم يكن سبيل إلى العفو بالحلم الواسع فهناك سبيل القتل بالعسل. ألا تذكر طبيبه النصراني ابن آثال؟ لقد كان أبوك يستخدمه في قتل أعدائه بالعسل المسموم.
قال: سمعت ذلك ولكنني لم أتحققه.
قال: ألا تذكر لما أراد أبوك رحمه الله أن يبايعك في حياته ما كان من أمر عبد الرحمن بن خالد بن الوليد؟
قال: وأي شيء تعني؟
قال: أعني أن أباك لما أراد أن يعهد في الخلافة إليك من بعده جمع أعيان أهل الشام إليه وقال لهم: إني قد كبرت سني ورق جلدي ودق عظمي واقترب أجلي، وأريد أن أستخلف عليكم، فمن ترون؟ فقالوا: عبد الرحمن بن خالد بن الوليد، فسكت وأضمرها، ودس ابن آثال الطبيب الذي ذكرته فسقى عبد الرحمن هذا قدحا من العسل مسموما، فمات والناس يحسبونه مات بعلة، وفعل ذلك أيضا بالأشتر، وكان علي بن أبي طالب قد أنفذه واليا على مصر بعد قتل محمد بن أبي بكر، فأرسل أبوك إلى دهقان العريش من قال له: إن قتلت الأشتر فلك خراجك عشرين سنة، فسقاه السم في العسل، فمات الأشتر وخلصنا من شره، وهكذا فعل أبوك أيضا بالحسن بن علي لما رأى ما كان من حاله في أمر الخلافة، فبعث إلى جعدة بنت الأشعث زوجة الحسن بمن قال لها: «إن قتلت الحسن زوجتك يزيد.» فدست له السم، فلما مات الحسن بعثت جعدة إلى أبيك تطالبه بك فأجابها: «إني أضن بيزيد». وقد مات في أيام أبيك كثيرون من أكابر الناس بهذه الحيلة، وكان ابن آثال هو الذي يركب لهم السموم ويمزجها بالعسل، فهل كان أبوك عاجزا عن قتلهم بالسيف؟ كلا، ولكنه كان يرى السم أهون سبيلا، حتى قال: «إن لله جنودا من عسل.» فإذا كان لا بد من قتل هذه الفتاة فما يمنعك من أن تفعل فعل أبيك؟ وما هي إلا جرعة تشربها فتموت، والناس يحسبونها ماتت بمرض أو نحوه، وهذا طبيبك أبو الحكم عالم بأنواع الأدوية، وله وصفات مشهورة، وكثيرا ما كان أبوك أيضا يستطبه ويعتمد عليه في تركيب العقاقير لمثل هذه الغاية.
الفصل الحادي عشر
Halaman tidak diketahui