قال: إذا عرفته عرفت أني جاركم القديم، وأني من أصدقاء أبيك أو كفيلك عامر، قال ذلك وهو يحاول الابتسام فأدركت أنه يهددها بمعرفة سر وجودها هناك، وتحققت الغدر في وجهه، وندمت على بقائها وحدها.
ولكنها لما تذكرت ما ارتكبه ذلك الأبرص من الوشاية بعبد الرحمن، هان عليها كل صعب وعولت على التفاني في سبيل شفاء غليلها منه فقالت: وإذا كنت كذلك، فما الذي يهمك من أمرنا؟
قال: وما بالك تخاطبينني بالجفاء يا سيدة الملاح وأنا إنما جئت لاستعطافك؟
فأدركت ما رواء هذه الملاطفة، وسكتت وقد صعد الدم إلى رأسها فتحول وجلها إلى غضب وقالت: إنك جئت لمخاطبة أبي، ولكنه غائب، فإذا جاء فخاطبه.
قال: وماذا يفيدني خطابه إذا لم تكوني أنت راضية؟!
قالت: أراك تلمح إلى ما لا يليق بك بين يدي فتاة لا تعرفك.
قال وهو يظهر الاستخفاف: كيف تقولين إنك لا تعرفينني وأنا أعتقد غير ذلك؟ أم أنت لا تزالين مغرورة بذلك الفتى الغر الجاهل؟
فلم تعد سلمى تستطيع صبرا على تلك القحة، وأعملت فكرها فيما تفعل فرأت نفسها ضعيفة غريبة، والخليفة وأعوانه وكل أهل الشام ضدها، وحياتها وموتها بين شفتي ذلك الرجل، فأحست كأن الجبال تراكمت على صدرها وتساقطت دموعها بالرغم منها، فحولت وجهها لئلا يلحظ شمر ذلك فيزداد طمعه فيها.
أما هو فلما رآها تبكي استسهل استرضاءها، فعمد إلى الملاينة، واقترب منها وقال في حنان: لا تبكي يا سلمى ولا تخافي، فإني مع علمي بسرك وسر عامر وعبد الرحمن، لا أريد بك شرا، بل أنا نصيرك وعونك حتى تخرجي من هذه الديار آمنة، على شرط أن تجيبي سؤال قلبي، وترحمي محبا قطع البراري والقفار سعيا إليك، فارحمي قلب هذا العاشق الولهان، وأقلعي عن مجاراة الغلمان الذي يسوقون أنفسهم إلى الموت بجهلهم وغباوتهم، كما فعل ابن عمك عبد الرحمن الذي أغواك بشقشقة لسانه، حتى وقع أسيرا وسيق إلى السجن مغلولا، ولو أردت أن أسوقك وأسوق عامرا معه لفعلت، ولكن قلبي لم يطاوعني؛ لأني أحبك، فإذا أطعتني ورضيت بما أطلبه منك عشت سعيدة آمنة، لأن ما تسعون إلى نيله إنما هو أضغاث أحلام، ونحن الآن أهل الصولة والبطش، وخليفتنا صاحب السلطان والأعوان، فما قولك؟
وكان شمر يتكلم وهو ينظر إلى وجهها من وراء النقاب وهي معرضة عنه وفرائصها ترتعد، وقد جمد الدمع في عينيها وحارت في أمرها فظلت صامتة، فاستبشر شمر وظن السكون جوابا فأعاد الكرة وقال: إني والله ليعجبني تعقلك وسداد رأيك، فأفصحي لي عن رضاك وهذا يكفيني الآن.
Halaman tidak diketahui