قال: هذا الذي شغل بالي، قبحه الله! لقد طالما شككت في هذا الأبرص وخفت غدره، ويلوح لي أنه علم بسفرنا إلى الشام واطلع على غرضنا، فاقتفى أثرنا ليشي بنا، ولولا ما قاله الناسك مما يدعو إلى الاطمئنان على عبد الرحمن لأسرعت في البحث عن وإرجاعه عن عزمه، ولكن هبي أني لم أطمئن فليس لي سبيل إليه؛ لأني لا أعرف الجهة التي سار فيها، وأخاف إذا أنا لحقت به أن أضل الطريق، وتبقي أنت وحدك، ولعل هذا الخائن قد نصب لك أحبولة أخرى.
قالت: أذهب معك أنا أيضا.
قال: ولكننا وعدنا عبد الرحمن أن ننتظره هنا، فقد يجيء الليلة ونحن غائبون فيرمي سهمه، وقد يكون فيما يكتبه عليه ما يبعث على ذهابنا لموافاته إلى مكان ما، فيقع السهم بين يدي أحد الرهبان ولا نطلع عليه. دعينا نمكث هنا، ونكل أمرنا إلى الله فهو نعم الكفيل.
قال ذلك ومشيا حتى اقتربا من الدير وهما كأنهما في حلم، فأراد عامر أن يشغل وقته في شيء يبعد الشبهة عنهما فقال لسلمى: تعالي معي إلى الحظيرة نتفقد جمالنا وأحمالنا.
قالت: دعنا من الجمال والأحمال، وحسبنا التفكير فيما نحن فيه.
قال: هذا ما أشعر به أنا أيضا، ولكن لا بد لنا من الانتظار إلى مساء الليلة أو صباح الغد أو مسائه، فكيف نقضي الوقت ووقت الانتظار طويل؟
فأطاعته وتحولا إلى الحظيرة، فرأيا الخدم قد بذلوا العناية في خدمة الجمال وأما أحمال التمر فلم يجدوها، فبغت عامر لأول وهلة، ثم تذكر أنهم حملوها إلى داخل الدير.
وقضيا هناك بعض الوقت، وسلمى في شغل شاغل عما حولها لا تنتبه لشيء لعظم ما ثار في خاطرها من القلق على حبيبها، ولا سيما بعد ما سمعته من الشيخ الناسك، ولم يكن عامر أقل قلقا منها ولكنه أراد تشجيعها وتحويل ذهنها، فلما لم يفلح في ذلك، أجاب رغبتها في العودة إلى الدير، وسارا توا إلى حجرتهما، ومكثا برهة بين كلام وتفكير.
الفصل السادس
الوقوع في الفخ
Halaman tidak diketahui