قال: إني والله في عجب عجاب من أمره، وقد كنا نسمع بالأولياء وكراماتهم، فالآن قد رأينا أحدهم رأي العين.
فقالت: إني أحسبني في منام. وفركت عينيها، وتلفتت إلى ما حواليها كأنما تريد أن تستوثق من يقظتها.
وأدرك عامر استغرابها وحيرتها فقال: لا تستغربي يا سلمى مما شاهدته من أمر هذا الشيخ مع ما يظهر من بلاهته، فإن الله يعطي من يشاء بغير حساب، ثم إنه قد توافرت فيه شروط الولاية من الزهد والتقشف، وقد قيل في أهل الولاية إنهم جواسيس القلوب، فلا أرى غرابة في معرفته حقيقة حالنا، ويلوح لي أنه على مذهبنا، فلا خوف منه على سرنا.
فقالت سلمى: ولكن من عسى أني يكون هذا الرجل؟
فأجابها عامر: إن أمره حيرني؛ لأن حاله ولباسه يدلان على تنسكه وانقطاعه عن الدنيا، ولكن كلامه عن يزيد يدل على اهتمامه بأمر المسلمين، ويظهر أنه عربي، وكأن لهجته عراقية.
فقالت سلمى: ليتنا سألناه عن بلده، وطلبنا إليه أن ينتسب.
فقال: ومن يتجرأ على هذا السؤال وقد رأيت مبالغته في التستر حتى غطى وجهه، ولما طال الحديث بيننا توارى؟ فلعله من بعض الذين بلوا بمثل بلوانا فلجأ إلى هذا الدير للاختفاء.
قالت: أظنه مصابا بعقله؛ لأنه شاذ الأطوار. ألم تسمع من رئيس الدير عن معيشته وكيف يقضي نهاره بين الأشجار يقتات بثمارها، ولا أنيس له غير هذا الكلب؟
قال: مهما يكن من أمره فإنه ذو كرامة، وعساه أن ينفعنا بكرامته.
قالت: وما العمل الآن؟ إني لم أزدد من حديثه إلا قلقا، وسكتت برهة ثم قالت: وما قولك في شمر اللعين؟
Halaman tidak diketahui