قال: أظنه في بعض جوانب الدير فقد رأيت كلبه الساعة تحت الصفصافة، فلا يبعد أن يكون في زاوية من زوايا الدير، أو في بعض غرفه. •••
خرج عامر وسلمى في أثره، فلما أطلا على الباحة رآهما الكلب فهرول إلى سلمى وهوى يحرك ذيله ويغمغم استئناسا بها، وذهب عامر للبحث عن الناسك، ثم عاد وهو يقول: سألت في كل أطراف الدير فلم أقف له على أثر، وقد أخبرني الرئيس بأنه خرج عندما كان الخليفة هنا ولم يعد.
قالت: هل تظنه في بعض جوانب البستان؟
قال: ربما، هلم نبحث عنه هناك.
فمشيا حتى خرجا من باب الدير، والحظيرة إلى يمينهما وفيها الماشية والدواب، فوقفا ينظران في جوانب البستان، وكان الكلب قد خرج في أثرهما، ثم رأياه يجري إلى اليسار مسرعا، فقالت سلمى: يظهر أن شيبوب اشتم رائحة صاحبه فأسرع إليه، فلنذهب في أثره.
وتبعاه فإذا هو قد انتهى إلى جميزة قديمة العهد، في أسفل ساقها كهف يشبه غرفة صغيرة أوى إليه الناسك، ورأياه عن بعد جالسا الأربعاء ويداه متقاطعتان على ركبتيه، وقد أطرق كأنه يفكر في معضلة يبتغي حلها، فلما وصل الكلب إليه وجعل يلحس يديه ويتحكك به انتبه الشيخ من غفلته فرفع عينيه وشعر حاجبيه يغطيهما ، وأمسك لحيته وثناها إلى فيه وأطبق شفتيه عليها، فوقعت عينه على سلمى وعامر، فجعل يتفرس فيهما وهما قادمان إليه يفكران فيما يبدآن به الحديث، ولم يكادا يدركانه حتى سمعاه يقول بصوت جهوري اخترق نطاق قلبيهما: أين عبد الرحمن؟
فلما سمعت سلمى اسم حبيبها خفق قلبها وارتعدت فرائصها، ولم يكن عامر أقل بغتة منها، وأرتج عليهما فلم يعلما بماذا يجيبانه.
ولم يكادا يقتربان منه حتى انتصب واقفا كأنه شاب في عنفوان الشباب وصاح فيهما: أين عبد الرحمن؟ أين ذهب؟
فاقشعر بدن سلمى، وهمت بالجواب فأرتج عليها فأجابه عامر قائلا: وأي عبد الرحمن؟
قال: أتسألني يا عامر عن عبد الرحمن وأنت كفيله؟! قل أين ذهب، وقد كان معكما بالأمس؟
Halaman tidak diketahui