قال: إني لا أرى فرصة أنسب من هذه، فدعيني يا سلمى، دعيني أقتل هذا الرجل وأنقذ المسلمين من شره، وأنتقم لحجر بن عدي، وأشف غليلي منه.
فقالت: إذا لم يكن بد من الذهاب فدعني أذهب معك، فإما أن نقتل معا، وإما أن ننجو معا.
قال: أليس عارا علي وأنا رجل أن أصطحبك في مهمة كهذه؟ دعيني يا سلمى. وحاول التخلص منها فإذا هي ممسكة ثوبه بيدها، فغضب وأراد أن يتخلص بالعنف، ثم نظر إلى وجهها فرأى الدموع تتساقط من عينيها، فسكن غضبه ووقف وهو ينظر إليها بعين المحب المفتون وقال لها: ما هذا يا سلمى؟ ما الذي تفعلينه؟ إنك تضعفين عزيمتي وتحملينني على الجبن. ما الذي يدعوك إلى ذلك، وعهدي بك أشد حنقا مني وأكثر رغبة في الانتقام؟
فقالت وهي تجهش بالبكاء وصوتها يتلجلج: ألا تدري ما الذي يدعوني إلى ذلك؟ هو الحب يا عبد الرحمن. إن الحب يحملني على هذا الخوف! ثم قالت بصوت ضعيف متقطع وهي تنظر إلى الأرض: نعم، إن الحب حلو شهي لذيذ.
فابتسم إعجابا وابتدرها وهو يتجلد مخافة أن تغلب عواطفه على ما في نفسه وقال: صدقت يا حبيبتي، إن الحب حلو، ما أحلاه! ولكن الانتقام يا سلمى أحلى منه. ليس في العالم ألذ من الانتقام ولا أحلى. دعيني أخرج إلى هذا الرجل الذي يسمي نفسه أمير المؤمنين فأقتله بهذا الخنجر، وأنتقم لك ولي وأنقذ المسلمين منه، أو أموت في نصرة الحق و...
فقطعت كلامه وقالت: لا تذكر الموت يا عبد الرحمن، إن ذكره يؤلمني ويؤذيني، حماك الله من شره.
قال: أيؤلمك ذكره، وقد ذاقه قبلي من هو أكرم عند الله مني؟ لقد ذاقه الإمام علي، وذاقه أبوك حجر بن عدي، وذاقه كثيرون غيرهما في سبيل نصرة الحق، فما أنا خير منهم، وقد آن وقت الانتقام.
وهمت سلمى بأن تجيبه فوقف عامر وقد أثر في نفسه ذلك الجدال، ووقع في حيرة لا يدري لأيهما ينتصر؟ ولكنه خاطب عبد الرحمن مترفقا وقال: تمهل يا بني وارفق بنا، واعلم أنك سالك طريقا وعرا لا نرضى أن تسلكه وحدك. دعني أسر معك، لعلي أنفعك في جهادك، أو أكون بين يديك فيصيبني ما يصيبك.
فالتفت عبد الرحمن إلى عامر وقال: وأنت أيضا يا عماه تثبط عزيمتي؟ ألم نسمع كلام الهاتف معا؟ ألم يقل الهاتف فوق قبر حجر: «وبشر الذين ظلموا بعذاب أليم»، أترى بعد ذلك مجالا لقائل. إنه لا بد لي من الذهاب، إن لم يكن إجابة لدعوة الهاتف فانتقاما لحجر بن عدي الراقد تحت الجوزة، وانتقاما لصهر النبي
صلى الله عليه وسلم
Halaman tidak diketahui