الفصل التاسع عشر
مقتل الحسين
ثارت الحمية في رأس سلمى وأفلتت من يد الناسك وانطلقت نحو الخيام فاعترضها الخندق والنار لا تزال تتقد فيه، ولم تجد المضيق الذي حملها الناسك عليه، فوقفت وهي تتلفت لعلها تجد مسلكا إلى المعركة فسمعت ابن ذي الجوشن يقول لرجاله: ويحكم! ما تنتظرون؟! ثكلتكم أمهاتكم. فالتفتت سلمى فرأت الرجالة حملوا عليه، فضربه أحدهم على كتفه اليسرى فقطعها، وضربه آخر على عاتقه، فكبا الحسين على وجهه إلى الأرض، فصاحت سلمى وهي لا تدري ما تقول: ويلكم! قتلتم الحسين، شلت أيديكم! وهرولت ونفسها تحدثها أن تثب من فوق الخندق ولو وقعت في النار، وكان الشيخ قد أدركها وأمسك بذيل ثوبها وهي لا تبالي به وعيناها شائعتان إلى الحسين وهو طريح بجانب جثة أولاده وإخوته وقد اختلطت دماؤهم، ولكنه لم يمت، فرأت شمرا وثب عليه وسيفه بيده فوضع السيف في عنق الحسين وحزه حتى انفصل فسمعت سلمى بعد الحز شخيرا، ثم رأت شمرا رفع الرأس بيده وقد سقطت القلنسوة عنه وبان شعره، وقد تخضب بالدماء وأغمضت العينان، وناوله إلى رجل بإزائه وقال له: احمله إلى الأمير عمر بن سعد.
فجثت سلمى وغاب رشدها ولم تعد تعرف ماذا تعمل، وكانت قد انتقلت من موضعها بغير أن تنتبه، فرأت على عوض الخندق خشبة، فأفلتت من الشيخ ووثبت عليها وأسرعت نحو المعركة وهي تصيح: ويلك يا شمر! يا ظالم يا لعين! كيف تلقى وجه ربك يوم الدين؟!
وما وصلت إلى فسطاط زينب حتى رأتها راجعة من المعركة ومعها نساء أخريات، وفي أثرهن بعض رجال الكوفة، يقبض الواحد منهم على ثوب المرأة فتنازعه وهي تفر أمامه حتى ينزع ثوبها عنها، فأرادت سلمى أن تدافع فأمسكتها زينب بيدها وأدخلتها معها الفسطاط حيث الغلام المريض.
فدخلن الخباء ودخل في أثرهن رجال والسيوف مشرعة في أيديهم، وهموا بفراش الغلام يريدون قتله، فصاحت سلمى فيهم: ويلكم! أتقتلون الصبيان؟ وخنقتها العبرات، وصاحت النساء مثل صيحتها.
وفي تلك اللحظة وصل عمر بن سعد فقال لأصحابه: لا تقتلوا أحدا من النساء، ولا تأخذوا منهن شيئا، وكفوا عن المريض. وأمرهم أن يحيطوا بالفسطاط لئلا يدخله أحد، وأوصاهم أن يحرسوا الأخبية لئلا يخرج منها أحد.
أما سلمى فانقطعت للبكاء هي وزينب وسائر النساء حتى علت الضوضاء وارتفعت أصوات العويل مما يتفتت له الصخر.
ثم سمعت سلمى وقع حوافر وضجة فأطلت من خلال الخباء فرأت عشرة فرسان جاءوا بخيولهم إلى حيث جثة الحسين ومعهم أميرهم عمر بن سعد، وقد أمرهم أن يطئوا ظهر الحسين بخيولهم.
فرأتهم يطئون جثته بحوافر الخيل حتى رضوه، وهي تتألم لذلك كأنهم يطئون على حدقة عينها، فقالت في نفسها: ما عاقبة ذلك يا رباه؟ ولكنها لم تخبر زينب خوفا عليها. •••
Halaman tidak diketahui