وفيما كانت سلمى عائدة لاحت منها التفاتة إلى بعض جوانب البر فرأت شبحا مسرعا من ناحية الكوفة. ما كادت تراه عن بعد حتى عرفت أنه الشيخ الناسك، فخفق قلبها وهرولت إلى الخباء، فدفعت الطفل إلى أخته سكينة وخرجت لملاقاة الشيخ الناسك، ولما دنت منه سمعته يدمدم ويتمتم فأقبلت عليه حتى التقيا بقرب فسطاط الحسين، فأرسل الناسك شعره على وجهه وأشار إليها أنه يريد أن يكلم الحسين، فاستبشرت بإشارته ، ومشت معه إلى باب الخيمة، فلما رآه الحسين استغرب منظره ولكنه رحب به وتوسم فيه الخير فقال: «أهلا بالشيخ.»
فقال الشيخ: ارجع يا حسين، ارجع إلى المدينة، إنها خير لك وأبقى. إن الناس هنا يريدون بك شرا ولا تقوى على قتالهم.
فقال الحسين: إني أراك مخلصا، فقل ما يبدو لك.
قال: انظر يا مولاي إلى هذا الجند، إنهم أربعة آلاف رجل بقيادة عمر بن سعد، وقد أمروا أن يقاتلوكم، وأنتم فئة قليلة لا تقوون عليهم. قال ذلك وانحدرت عبراته على لحيته.
فتأثر الحسين من منظره ولكنه تجاهل ما يراه وقال: «إني أرى رأيك، فهل من رجوع؟»
قال: اطلب الرجوع، فإن قبلوا كان به وإلا فإنك ... وبكى بصوت عال، فبكت سلمى، وأما الحسين فقال: «لقد علمت مصيري؛ لأني رأيت جدي
صلى الله عليه وسلم
الليلة يدعوني إليه، وما عنده خير مما في هذه الدنيا الفانية.»
فكفكف الشيخ دمعه وقال: أما وقد رأيت رغبتك في الآخرة فاعلم أن ابن زياد لم يجب طلبك، وقد أوشك أن يجيبه، لولا ذلك الخائن.
قال: ومن هو؟
Halaman tidak diketahui