فنظر إلي وقد جحظت مقلتاه وامتقع وجهه وارتجفت أعضاؤه، وقال: أبدا. أبدا. لا يمكن أن يكون ذلك فأنت كاذب. فكدت أتميز من الغيظ وانتصبت واقفا وقلت له بصوت جهوري: أقصر يا هذا واعتذر بالحال عما ألحقت بي من الإهانة أو أطردك خارجا.
أما هو فأدرك خطأه وحول بوجهه عني قائلا: أرجو عفوا، فقد فهت بذلك دون ترو، ولكن هل علم الطبيب بزواجكما؟ - كيف لا وقد تم القران بحضرته.
فجعل يتمشى في الغرفة بخطوات متسعة، ويتمتم بكلمات لم أفهم منها سوى: «لقد خدعت.» ثم تمالك روعه، وأجاب بلهجة الساخر: إني أتمنى لك التوفيق بحصولك على رفيقة جميلة فما الذي تبتغيه الآن من سنيري؟ - شيئا مهما.
فبرقت أسرته وكشر عن أنياب المكر والدهاء، وقال: ربما أهميته تعود عليك بالانفصال عن عروسك. فاغتظت من كلامه، وقد ظهر لي أنه عالم بحال بولينا، ولكني لجأت إلى ملاطفته بغية الاطلاع على كنه المسألة، فقلت: أرجوك الآن أن ترشدني إلى محل سنيري ولك الفضل. - هو الآن متغيب عن البلدة، وسيقدمها بعد أسبوع، وحينئذ أعلمه بقدومك.
ثم ودعني وذهب، وبعد أن مضى أسبوع على تلك الحادثة أتاني كتاب وهذه صورته:
إذا كنت تود الاجتماع بي فدونك عربة تجدها على باب الفندق عند الساعة السابعة فتقلك إلى حيث أنا مقيم.
التوقيع: م. س.
وعند الساعة السابعة تماما كانت العربة بانتظاري، فسارت بي إلى منزل صغير خارج المدينة، فترجلت وقرعت الباب، وإذا بالطبيب قد انتصب أمامي، وبعد أن تبادلنا التحية أدخلني إلى حجرة صغيرة فيها من الأثاث كرسيان قديمان ومنضدة عليها بعض الأوراق، فجلسنا ثم افتتح سنيري الحديث بقوله: بلغني أنك أتيت جينوى للبحث عني. - نعم، فإني أرغب إليك ببعض أسئلة تهم بولينا. - وإني مستعد لإجابة سؤلك قدر إمكاني. - لم لم تجعلني على بصيرة من طباع بولينا قبل أن أقترن بها؟ - لأنك رأيتها وحدثتها مرارا، فكنت خليقا والحالة هذه أن تختبرها بنفسك. - لقد أغريتني يا مستر سنيري، وكان الأجدر بك أن تطلعني على الحقيقة وتنجو من سهام الملام. - ولكن لم يمكني ذلك لأسباب تتعلق بي. - وما هي تلك الأسباب؟ - هي من جملة الأسئلة التي لا أقدر أن أجيبك عليها. - إذن كان من الواجب ألا تدعني أقترن بها بينا أنك عاجز عن إظهار أمرها. - لقد كانت حملا ثقيلا على عاتقي فأردت الخلاص منه، ولذلك لم يمكني أن أخيب طلبك. - ولكنك لم تخش عاقبة خداعك لرجل ربما أفضى به الأمر إلى ما لا تحمد عقباه، وذلك عندما يتبين لديه أن المرأة التي اقترن بها فاقدة الرشد. - قد ظننت أنها لا تلبث طويلا حتى تعود إلى ما كانت عليه من قوة الإدراك. - إذن هي لم تكن كذلك منذ ولادتها؟ - لا، وإنما طرأ عليها حزن فجائي أورثها مرضا شديدا كانت عاقبته البله. - ما هو سبب حزنها؟ - لا أقدر أن أقوله. - ولكن لي الحق أن أسأل. - ولي الحق أيضا أن لا أجيب. - أوضح لي على الأقل أمر عائلتها. - هي وحيدة وما من أحد ينسب إليها سواي. - وذاك الإيتالياني صديقك، أي علاقة له مع بولينا فإني ما ذكرت اسمها لديه حتى تغيرت ملامحه واعتراه اضطراب شديد؟
فتبسم هازا كتفيه، وقال: أتعني بقولك ماكيري؟ فاعلم أنه منذ سنة أو اثنتين، أي قبل أن تفقد بولينا الإدراك، كان هذا الفتى يتزلف إليها طمعا بالاقتران بها، فسبقه إليها المرض، وهكذا لبث بانتظار الشفاء.
فقاطعته قائلا: ولم لم تنتظر أنت أيضا شفاءها فتزفها إليه؟ - يظهر أنك ندمت على هذا الارتباط يا مستر فوكهان. - لا، طالما لي أمل بشفائها، ولو بعد حين ... ولكني أقول لك يا مستر سنيري إنك خدعتني ظلما.
Halaman tidak diketahui