Ghabir Andalus dan Hadirnya
غابر الأندلس وحاضرها
Genre-genre
2
والمسلمون لا يضنون بشيء على أهل ذمتهم يجرون عليهم الرواتب والأرزاق كما تجري على بطانتهم وأهل نحلتهم، ويؤمنون الأطباء منهم على أرواحهم وحرمهم، وشاع زواج العرب بالإسبانيات والبرتغاليات اللائي كن بجمالهن أجمل صلة لتمازج الفاتحين بخصومهم والتحام القرابات بينهم، بل إن ملوك المسيحيين على عهد توزع الأندلس بين ملوك الطوائف أمسوا يتزوجون من بنات الأمراء المسلمين؛ فقد تزوج ألفونس السادس بزايدة ابنة أمير إشبيلية، وعقد مثل هذا الزواج كثيرا، وكان عدد المتزوجات من الإسبانيات والبرتغاليات بالمسلمين وعدد المسلمات المتزوجات من الإسبانيين والبرتغاليين آخر أيام الأندلس كثيرا جدا حتى جرى لذلك كلام في الشروط التي تمت بين الغالب والمغلوب.
ومن العرب من آثر زي الإسبانيين من الملابس والسلاح واللجم والسروج وكلف بلسانهم مثل محمد بن مردنيش صاحب بلاد شرق الأندلس (561) وكثير من الوزراء كانوا يعرفون لسان جيرانهم مثل محمد بن الحاج (714) ويتشبهون بهم في الأكل والحديث، وكثير من الأحوال والهيئات.
هذا ما عمله الغالبون المسلمون من العرب مع المسيحيين المغلوبين من الإسبان والبرتغاليين، أما معاملاتهم للإسرائيليين: فكانت أيضا مما يدهش له، فأصبح لهؤلاء في الأندلس منزلة سامية في العلم والصنائع والتجارة، وكانت غرناطة في القرن العاشر تدعى مدينة اليهود؛ لكثرتهم ومكانتهم فيها.
أصبح أهل البلاد يتكلمون بالإسبانية والبرتغالية والعربية على السواء، وأخذوا بعد حين لا يتعاقدون بينهم إلا باللغة العربية، وقد وجد من عقودهم نحو ألفي صك من هذا القبيل كتبها المستعربة من الوطنيين الأصليين باللغة العربية، والعربية كانت لسان القائمين بالدولة الإسلامية هجر ما عداها في جميع الممالك، فصار استعمال اللسان العربي من شعائر الإسلام وطاعة العرب، وهجر الأمم لغاتهم وألسنتهم في جميع الأمصار والممالك التي خفقت عليها رايات الفاتحين، وصار اللسان العربي لسانهم حتى رسخ ذلك لغة في جميع أمصارهم ومدنهم، وصارت الألسنة العجمية دخيلة فيها وغريبة عنها، قاله ابن خلدون.
ولذا آلت ثلاثة قرون على بقايا الإسبانيين المتراجعين إلى الجبال الشمالية، وقد نسيت تقاليد البلاد إلا من أستوريا من الأصقاع، واضطرت الحكومات الصغرى التي اعتصمت في أقصى الشمال أن تصانع وتعاهد ولتعلم من أعدائها وهم أرقى منها نظاما ومدنية، وحكومات أوروبا الكبرى لذاك العهد تطلب رضاها وتتعلم منها وتتلطف معها حتى بلغ الأمر لعبد الرحمن الثالث الذي أشبه ملكا من ملوك هذا العصر لا ينقاد لأوهام العنصر والدين، ولا يتوقف في أمر فيه مصلحته، وتسير سياسته بحسب الأحوال، أن وجد له حلفاء من زعيم البربر إلى ملك إيطاليا إلى إمبراطور القسطنطينية، وكانت سفراء فرنسا واليونان والألمان تتوارد على قرطبة، وقد وضع هذا الخليفة حدا للحروب بين العرب والإسبانيين والبربر في الأندلس، وحصن حدود مملكته من ملوك ليون وقشتالة ونافار، واستولى بأسطوله على غربي البحر المتوسط، وبسط سلطانه على إفريقية الشمالية، فكان ميسين
3
العلوم والفنون، وحامي التجارة والصنائع، وقد أصبحت إسبانيا العربية على عهده وعهد أخلافه في القرون الوسطى أكثر البلاد مدنية وحسن إدارة. قالته دائرة المعارف الإسلامية.
لا جرم أن خلفاء الأندلس كانوا من التسامح من الكافة بالمكان الذي يغبطون عليه، ويجب التنويه به؛ لأنه لم يسبق له نظير في عصورهم عند الأمم الأخرى، فقد جاء من خلفائهم من كانوا يبيحون لدعاة النصرانية أن ينشروا دينهم أحرارا، وبلغت الحال ببعض المتحمسين منهم أن كانوا يقفون على أبواب الجوامع؛ ليتسقطوا المسلمين بالدعوة إلى دينهم، وكان عبد الرحمن الثاني عزم أن يجمع مجمعا مقدسا من النصارى برئاسة رئيس أساقفة إشبيلية؛ لقمع عادية التعصب الإسباني إذ أخذ دعاة الدين المسيحي يسبون الإسلام جهارا حتى يقتلوا في سبيل دعوتهم، وتكتب لهم الشهادة بزعمهم، ولكن الخليفة مات قبل التئام هذا المؤتمر سنة 238.
ولطالما أرخى خلفاء الأندلس العنان لخطبائهم ووعاظهم ومؤرخيهم وكتابهم يوسعون المجال لأقلامهم وألسنتهم حتى في أعمال الخلفاء، ولا يجدون منهم إلا لطفا وعطفا، ذلك الناصر كان كلفا بعمارة الأرض وإقامة معالمها، وتكثير مياهها واستجلابها من أبعد بقاعها، وتخليد الآثار الدالة على قوة ملكه وعزة سلطانه وعلو همته؛ فإنه لما ابتنى الزهراء، واستفرغ وسعه في تنجيدها، وإتقان قصورها، وزخرفة مصانعها، انهمك في ذلك حتى عطل الجمعة بالمسجد الجامع فقرعه القاضي منذر بن سعيد قاضي الجماعة بقرطبة بخطبة على المنبر أمام جمهور المؤمنين ابتدأها بقوله تعالى:
Halaman tidak diketahui