وهي تشير إلى حائط الحجرة.
فسألته بصوتها الرفيع المتقطع: «هل حقا أنت الذي رسمت هذه الصورة يا بابا؟»
وتتبع ناظره إصبعها إلى هدفها من الحائط في المكان الذي كان يشغله المكتب قبل أن ينقله سامي، فرأى صورة طفلة صغيرة في نصف الحجم الطبيعي سرعان ما تذكرها عقله وقلبه، وذكر بعض الظروف التي دفعته إلى رسمها منذ عشرات السنين .. وتعجب كيف شاءت المصادفة أن تنبه ابنته إليها ساعة تهيم روحه في سموات عهدها الحلو المنطوي، فكأنما سخرت الصورة للطفلة الصغيرة لتذكير أبيها الغافل.
قال سامي: لا شك أنك أنت يا أخي يوسف الذي رسمتها؛ فأنت صاحب الحجرة القديم، وأنت الذي تستطيع أن تجيد الرسم.
وقالت ميمي مرة أخرى: بابا .. اشتر لي عروسة مثلها.
ودلف يوسف إلى قريب من الصورة، وتأملها بعين لو رأت زوجه نظرتها المشوقة لسألت باهتمام عن الصورة وتاريخ رسمها، وأجرت في ذاك تحقيقا عسيرا، وكان ما يبقى منها ظل خفيف طمست منه بعض معالم الوجه، ولكن بقي منها محافظا على وضوحه مفرق الشعر الغزير المرسل في عبث فتان، وما يبين عن جمال الأنف الصغير الدقيق. فالشكر لله أنه كان يجيد الرسم منذ الصغر، وإلى جانب الصورة كانت مكتوبة هذه الأبيات:
أفق قد أفاق العاشقون وفارقوا ال
هوى واستمرت بالرجال المرائر
دع النفس واستبق الحياة فإنما
تباعد أو تدني الرباب المقادر
Halaman tidak diketahui