ولد ويوم يموت ويوم يبيث حيا فجاء بصفة الحياة وهي اسمه وأعلم بسلامه عليه وكلامه صدق فهو مقطوع به ، وإن كان قول الروح " والسلام علي يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا " أكمل في الاتحاد ، فهذا أكمل في الاتحاد (1).
والاعتقاد وأرفع للتأويلات(2) . فإن الذي انخرقت (3) فيه (4) العادة في حق عيسى إنما هو النطق ، فقد تمكن عقله وتكمل في ذلك الزمان الذي أنطقه الله فيه . ولا يلزم للمتمكن من النطق - على أي حالة كان - الصدق فيما به ينطق ، بخلاف(5) المشهود له كيحيى. فسلام الحق على يحيى من هذا الوجه أرفع للالتباس الواقع في العناية الإلهية به من سلام عيسى على نفسه ، وإن كانت قرائن الأحوال تدل على قربه(6) من الله في ذلك وصدقه ، إذ(7) نطق في معرض الدلالة على براءة أمه في المهد. فهذا أحد الشاهدين ،والشاهد الآخر هو الجذع اليابس فسقط رطبا جنيا من غير فحل ولا تذكير (79-ب) ، كما ولدت مريم عيسى من غير فحل ولا ذكر ولا جماع عرفي معتاد ، لو قال نبي آيتي ومعجزتي أن ينطق هذا الحائط فنطق الحائط وقال في نطقه تكذب ما أنت رسول الله ، لصحت الآية وثبت بها أنه رسول الله ، ولم يلتفت إلى ما نطق به الحائط . فلما دخل هذا الاحتمال في كلام عيسى بإشارة أمه إليه وهو في المهد ، كان (8) سلام الله على يحيى أرفع من هذا الوجه (8) . فموضع الدلالة أنه عبد الله من أجل ما قيل فيه إنه ابن الله - وفرغت الدلاله بمجرد النطق - وأنه عبد الله عند الطائفة الاخرى القائلة بالنبوة وبقي ما زاد في حكم الاحتمال في النظر العقلي حتى ظهر في المستقبل صدقه في جميع ما أخبر به في المهد فتحقق ما أشرنا إليه.
Halaman 176