لا ريب أن جلال الدين كان ذا مواهب نادرة، وأن مخايل الذكاء وأمارات التصوف بدت عليه في صباه، ويروى أنه كان مجدا في تحصيل العلم لا يفتر في السفر والإقامة.
وأما شيوخه فأولهم أبوه، فلا ريب أن جلال الدين حضر درسه منذ أعدته السن للتلقي عنه، ويروى كذلك أنه تلقى العلم عن شيوخ في دمشق وحلب، وأنه أخذ التصوف عن برهان الدين الترمذي أحد أصحاب أبيه، وعن صلاح الدين زركوب وحسام الدين چلبي، ولا أعرف عن درسه وشيوخه أكثر من هذا.
تولى جلال الدرس في أربع مدارس في قونية وكثر طلابه، واستمر على نهج أبيه في درس العلوم الدينية بضع عشرة سنة، ثم كان حدث غير وجهة جلال وأثر في نفسه أثرا بليغا، ولست أستطيع تأريخ هذا الحدث، ولكني أرجح أنه وقع وجلال الدين بين الخامسة والثلاثين والأربعين من عمره، وإن أرخه بعض الرواة تأريخا دقيقا: 26 جمادى الثانية سنة 642.
ذلكم الحادث العجيب هو لقاء هذا الدرويش العجيب شمس الدين التبريزي، فلا بد من وقفة في هذه المرحلة من تاريخ مولانا، فعندها كان منعرج الطريق.
4
شمس الدين التبريزي
هو محمد بن علي بن ملك التبريزي، قيل: إن نسبه ينتهي إلى كيابزرك أميد خليفة حسن الصباح شيخ الإسماعيلية، وكان أبو شمس الدين من الإسماعيلية فخالفهم وأحرق كتبهم ودعا إلى الإسلام في قلاعهم، وأرسل ابنه شمس الدين إلى تبريز لتلقي العلم.
ويقال أيضا: إنه ولد في تبريز، وكان أبوه بزازا بها.
وأخذ التصوف عن شيوخ في تبريز، وله سند في الطريقة يذكره بعض المؤرخين: منهم دولتشاه السمرقندي صاحب تذكرة الشعراء.
يقول دولتشاه: إن شمس الدين كان في صباه جميلا رائعا حتى ربي بين النساء غيرة عليه، ثم كثرت سياحاته حتى لقب «پروانه» أي الفراشة.
Halaman tidak diketahui